روايه احرقني الحب الفصل السابع عشر بقلم ديانا ماريا
الجزء 17 والأخير
تجمدت يد هديل على الهاتف تستوعب كلمات والدتها وجهها المصدوم بدون تعبير حتى سقط الهاتف من يدها على الطاولة وهي تدير وجهها لحسام الذي قال بقلق: مالك حصل إيه؟
قالت بصوت بدى بدون إحساس: ماما بتقول أنه بابا في المستشفى حالته صعبة أوي.
انتبهت هديل إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تنطق فيها كلمة"بابا" فهي لم تتحدث عن والدها أبدا خلال تلك السنوات ولم تكن تشير إليه من قريب ولا بعيد.
استوعب حسام تلك الكلمات على الفور ونهض قائلا بسرعة: طيب أنا هغير واجهز العربية على ما تلبسي.
ذهب لغرفة النوم بخطوات سريعة بينما بقيت هديل مكانها تحدق أمامها بتيه لا تستطيع تحديد شعورها ناحية والدها في تلك اللحظة.
خرج حسام من غرفة النوم ليجد هديل مازالت جالسة مكانها شاردة فاقترب منها ووضع يده على كتفها.
نظرت له بفزع لأنها كانت شاردة في تلك اللحظة.
قالت بدهشة: في إيه؟
رد حسام بهدوء: قومي البسي علشان نروح المستشفى يلا.
نهضت من مكانها بهدوء ودلفت لغرفة النوم لترتدي ملابسها كانت تفعل كل شيء بشرود ودون شعور كالرجل الآلي ولكن عقلها مشغول بالتفكير.
هبطت لتجده في انتظارها فركبت بجانبه بصمت، كانت صامتة طوال الطريق وقد أحس حسام بما يعتمل في نفسها من صراع فأمسك بيدها ليدعمها بصمت حتى لا تظل في حيرتها وحيدة.
نظرت له وفجأة قالت بخوف: حسام هو ممكن يموت؟
رفق حسام بنظرة الخوف وإحساس الضياع الذي يسيطر عليها فشدد على يدها وهو يقول بنبرة حانية ممزوجة بالثقة: متخافيش يا حبيبتي بإذن الله خير يمكن تعب بسيط الله أعلم إحنا هنروح وهنطمن عليه.
تجمعت الدموع في مقلتيها وقالت بصوت متهدج: حسام أنت سامحته؟
ابتسم حسام ابتسامة باهتة: أنا نسيت الموضوع من زمان يا حبيبتي لقيت أنه أحسن طريقة أعيش بيها حياتي وأعمل مستقبل أني أحاول أنسى أو اتناسى الماضي وبصيت لبكرة وبس.
صمتت هديل وهي لا تستطيع تحديد المشاعر التي تعتمل في قلبها ناحية والدها، وصلوا للمستشفى فأسرعت هديل لوالدتها التي انهارت أكتر حين رأتها وعانقتها بقوة باكية: وقع يا هديل وقع ومكنش بيقول غير اسمك وبيطلب منك تسامحيه.
انقبض قلب هديل من حديث والدتها فحاولت مواساتها ومبادلتها العناق إلا أن يديها المرتعشة جعلت مهمتها صعبة.
أقترب حسام وحاول أن يطمئن آمال المنهارة: متخافيش يا أمي بإذن الله هيبقى كويس.
تطلعت له آمال وقالت برجاء: يارب يابني بالله عليك تسامحه هو محتاج أنكم تسامحوه.
ابتسم حسام وأمسك بيدها: صدقيني سامحته من زمان متقلقيش واهدي وكل حاجة هتبقى بخير بأمر الله.
بقوا منتظرين بتوتر لفترة كان حسام خلالها يدعم هديل معنويا بصمت من خلال جلوسه بجانبها وضمها له.
خرج الطبيب بوجه غير مبشر بالخير ليقفوا جميعا مترقبين كلماته الحاسمة.
قال الطبيب بجدية: بصراحة مش هقدر اخبي عليكم الحالة صعبة ومش مطمئنة بس إحنا عملنا كل اللي نقدر عليه وهنستنى الكام ساعة الجايين لو عدوا على خير بإذن الله يبقى إحتمال شفائه كبير أوي، إنما لو حصل العكس بقى....
ترك بقية كلماته معلقة في الهواء ليستنتجوا النتيجة الحتمية، أخفت آمال بوجهها بين يديها وهي تشهق باكية بينما لم تبدي هديل أي ردة فعل ظاهرة ولكنها شعرت بأنها تريد البكاء بصوت عالي.
نظرت لحسام بعيون دامعة وشفاه ترتجف قائلة: حسام أنا مش عايزاه يموت، أنا زعلانة منه أوي بس متمناش أنه يموت.
وضع يديه على وجهها حتى يجعلها تنظر إليه وقال برقة: بصي يا حبيبتي هو دلوقتي محتاج دعمنا وأننا نقف جنبه وندعي له وربنا يعمل اللي فيه الخير المهم تكوني جنبه دلوقتي.
خرجت الممرضة لتقول بتساؤل: مين فيكم هديل؟ المريض بيسأل عليها ومش راضي يهدى إلا لما يشوفها.
أشارت هديل لنفسها بتوتر: أنا هديل.
رافقت الممرضة حتى غرفة والدها المريض دلفت له وصدمت بشدة وغصة احتلت قلبها من مظهره المُتعب والشاحب.
متصل بأجهزة كثيرة ووجه شاحب، يتنفس بصعوبة اقتربت هديل من والدها الذي كان يغمض عيناه وفتحها حين جلست بجانب سريره.
جال بصره عليها بشوق قائلا بصوت مبحوح: هديل! كنت خايف يجرالي حاجة قبل ما أشوفك يا بنتي.
انهمرت دموع هديل وقالت بصوت مرتجف: متقولش كدة بإذن الله هتبقى كويس يا...
ترددت للحظات وأغمضت عيونها قبل أن تتابع: يا بابا.
تنهد والدها بارتياح وقال بندم: ياااه أخيرا سمعتك بتقوليها بعد السنين دي كلها، أد إيه وحشتني منك يا هديل.
تابعت هديل البكاء بصمت بينما نظر لها بندم والشعور بالذنب يغمره وأردف بصوت متهدج: سامحيني يا هديل، أنا مكنتش الأب الكويس ليكِ صدقيني أنا كنت فاكر أنه ده هيبقى في مصلحتك والله، أنا اتصدمت بعدها في الحقيقة ومكنش ليا وش حتى أعتذر منك مقدرتش أقف قدامك وابص في عيونك علشان اتأسف لك على اللي عملته فيكِ والنار اللي سيبتك مرمية فيها لوحدك، ولما دخلتي السجن حسيت بالعار من نفسي إزاي أنا كنت أب وحش كدة؟ إزاي وصلتك للحالة دي؟ مكنتش عارف أعمل إيه غير إني أفضل زي ما كنت السنين اللي فاتت دي، كنت جبان وفضلت أكون جبان زي ما أنا، كان أسهل عليا كتير من إني أواجه أني معرفتش أكون أب ليكِ يا بنتي.
انهمرت دموعه مع كلماته الأخيرة وأجهش بالبكاء فانحنت هديل على صدره وبكت معه على كل تلك السنين الضائعة التي لم يجدوا فيها غير الألم ولم ينعموا بلحظة راحة.
كان والدها يمسح على رأسها ويعتذر لها ببكاء حار حتى هدأت عاصفة البكاء ورفعت هديل رأسها، مسحت دموعها ثم أمسكت بيده.
قالت بصوت مبحوح من البكاء: أنسى كل ده دلوقتي وركز على نفسك خليك بخير علشان تعوضني عن السنين اللي فاتت دي.
ابتسم من بين دموعه: أنا مش عارف هقدر أخرج من هنا ولا لا بس أنا متطمن عليكِ وأنه حسام هيقدر يعوضك عن أي حاجة وحشة حصلت ليكِ أنا كنت السبب فيها.
شدت على يده لتقول برفض قاطع: لا حسام حاجة تانية خالص إنما بإذن الله ربنا هيشفيك علشان تعوض كل السنين اللي عيشتها من غيرك حاول على قد ما تقدر وسيب النتيجة على ربنا المهم تكون عايز تخف.
في تلك اللحظة سمعوا طرق على الباب ودخل بعدها حسام ليقول بابتسامة: ألف سلامة عليك يا عمي عامل إيه دلوقتي؟
أخفض والدها نظراته وقال بنبرة خجلة: الحمدلله يابني كل اللي يجيبه ربنا خير.
رفع عيونه له قائلا برجاء: سامحني يابني.
أجاب حسام بابتسامة هادئة: العفو يا عمي على إيه المهم تبقى كويس وتخرج لنا بالسلامة.
أبعد والدها عيناه بندم لقد كان كرم أخلاق حسام أثقل من أن يتحمله ضميره.
عاد يحدق إليه وقال بصوت متعب: ياريتني كان ليا عين أوصيك على هديل بس أنا عارف أنك هتاخد بالك منها كويس.
أقترب حسام ووضع يديه على كتفي هديل وقال بحزم: مش محتاج توصيني ياعمي هديل في عيوني من غير كلام وربنا يشفيك يارب على خير.
بعد قليل ولجت الممرضة لتأمرهم بالخروج حتى يرتاح المريض، أصرت هديل على والدتها بأن تعود للمنزل حتى تعتني بإخوانها وستبقى هي وحسام في البداية رفضت والدها ولكن إصرار حسام وهديل جعلها تغادر مطمئنة.
كانت هديل ترتاح على كتف حسام ينتظروا أي إشارة أو خبر جديد حين أتى الطبيب فنهضوا على الفور.
قالت هديل بقلق: أخبار بابا إيه يا دكتور؟
ابتسم الطبيب: لا الحمدلله المؤشرات كويسة جدا بس....
ثم صمت فقالت هديل بتوتر: بس إيه في إيه يا دكتور؟
ربت حسام على كتفها بنبرة هادئة: أهدي يا حبيبتي باين كل حاجة خير استني بس.
نظر للطبيب وقال بتفهم: اتفضل أتكلم يا دكتور إحنا متقبلين أي حاجة طالما هيكون بخير.
أومأ الطبيب برأسه وتابع: الجلطة كانت شديدة شوية وده سبب له للأسف شلل.
شهقت هديل وهي تضع يدها على فمها فضمها حسام إليه حتى يحتوي صدمتها بينما تابع الطبيب حديثه: هي صحته بتتحسن بس للأسف الشلل ده هيبقى دائم ولو الوضع كان مستقر ممكن يخرج أسرع مما متوقعين بس ده لو الخبر مأثرش عليه بشكل سلبي.
غادر الطبيب بينما بكت هديل بين أحضان حسام: الحمدلله على كل حال بس هو هيزعل يا حسام إزاي هنقوله بس.
مسح على ظهرها بحنان وقال باقتناع: أنا متأكد أنه عمي مؤمن بالقضاء والقدر وده قدره من ربنا المهم أنه ربنا يحفظه لينا وأحنا هنفضل سنده وعكازه علطول.
رفعت هديل عينيها وقالت بحيرة: أنت إزاي كدة يا حسام؟ إزاي كويس كدة حتى بعد اللي عمله معاك؟
ابتسم حسام بخفة وقال بحب: طالما أنتِ معايا فأنا قادر اسامح وأعمل أي حاجة يا حبيبتي المهم أنك معايا خلاص.
ابتسمت هديل من بين دموعها وعادت تضع رأسها على كتفه فقبل حسام رأسها بحب وهم يفكروا كيف سيستقبل والدها الخبر.
إلا أن ردة فعل والد هديل جاءت مخالفة لكل التوقعات فقد استقبل الخبر بهدوء حامدًا الله على ما أصابه لقد اعتبر أن هذا جزاء من الله حول ما فعله مع ابنته تلك السنوات وهو قد تقبل ذلك بصدر رحب.
خرج من المستشفى بعد مرور أسبوعين وقد تكفل حسام بكل المصاريف التي لزمته كما العلاج الذي سيحتاجه بعد ذلك، عاد والد هديل لمنزله وقد تصافت تلك النفوس من كل ما حمِلته لسنوات طويلة، لقد أحست هديل أن علاقتها بوالدها ربما لا تعود كما كانت أبدا ولكنها راضية للغاية حاليا بوضعها الحالي بحياتها الهادئة التي تنعم بها مع حسام وبين أهلها.
كانت تريد تعويض حسام عن الفترة التي قضوها في المستشفى فهو لم ينعم بالزواج بل قضى ذلك الوقت في المستشفى معها ومع عائلتها ففكرت في طريقة لتعويضه وإرضائه.
إلا أن ذلك حدث من حسام نفسه حين عاد للبيت في مرة وناداها فخرجت من المطبخ لتستقبله بحماس، وهي ماتزال ترتدي تلك المنامات المحتشمة جدا في وجوده.
كان يحمل هدية في يده فنظرت لها هديل بحماس وشاكسته قائلة: دي ليا ولا إيه؟
ضحك وهو يجلسها وجلس بجانبها: أكيد يا حبيبتي أكيد مش للجيران.
ضربته على كتفه بمزاح وقد ساهم في تلك الجرأة لتمزح معه دون خوف هو محاولات حسام حتى يشعرها بالراحة وأنه بالطبع لن يعاقبها على عفويتها كزوجها السابق.
أخرج حسام من الحقيبة منامة حريرية تخطف الأنفاس من جمالها، كانت ذات لون مشرق وتصميم مميز ولكن حدقت إليها هديل بتوتر حين انتبهت أن الجزء العلوي بدون أكمام نهائيا والجزء السفلي قصير حتى الركبة وربما أقصر من ذلك.
ابتسمت له بارتباك: شكلها حلو أوي يا حبيبي بس...بس أنا مش عارفة هقدر ألبسها ولا لا.
تضاءلت ابتسامة حسام وقال بعبوس: ليه؟ لو مش عجباكِ نرجعها وتختاري واحدة تانية على ذوقك.
زفرت هديل بإحباط: مش ده السبب ما أنت عارف يا حسام.
لم يظهر حسام التفهم الذي كانت تتوقعه هذه المرة وقال بصرامة: لا مش عارف أنتِ مراتي وأنا قولتلك ألف مرة أنا بحبك زي ما أنتِ يبقى ليه لا خالص؟
تلجلجت هديل من صرامته غير المعهودة ولم تدر بما تجيب، انتبه حسام لحدته فتنهد ثم اقترب منها قائلا بنبرة أكثر هدوء وهو يمسك بيدها: يا حبيبتي أنا مش عايزك تخبي نفسك مني نفسي تمحي كل الأوهام اللي في دماغك دي وتعيشي حياتك طبيعي معايا على راحتك من غير كسوف ولا خوف.
أحنت كتفيها بوهن فقبل حسام يدها ثم أبتعد وأعاد المنامة للحقيبة بابتسامة ضعيفة: خلاص لو مش عايزة مش هضغط عليكِ أنا وعدتك قبل كدة مش هغصبك أبدا على حاجة.
ثم وضعها على الأرض ونهض حتى يغير ملابسه بينما بقيت هديل مكانها تحدق للهدية، لقد ظهرت خيبة الأمل واضحة في عينيه رغم أنه لم يرد الضغط عليها فهي تعترف أنها لا تحاول من أجله مثلما يحاول من أجلها، وهي ترغب بالفعل في تحقيق رغبته رغم ترددها، تناولت المنامة وأخرجتها من الحقيبة وهي تتفحصها ثم زفرت بضيق: وهو كان لازم يجيبها مفتوحة كدة يعني؟ مش مرة واحدة كدة!
أمسكتها بتفكير قبل أن تأخذها وتدلف بها للحمام، بدل حسام ملابسه وخرج لينادي هديل التي ظنها في المطبخ فلم يجدها.
ناداها مجددا بتعجب حين سمع باب الحمام الذي بجانب المطبخ يُفتح وهديل تخرج منه مرتدية المنامة التي أحضرها.
وقفت هديل أمامه بخجل تحرك يديها مرتبكة، كانت خائفة من شكلها أمامه ولكن كل تلك المخاوف مُحيت حين رأت نظرات الانهبار والإعجاب في عيون حسام.
أقترب منها حسام وهو يطالعها بإعجاب: إيه الحلاوة دي كلها يا حبيبتي؟
شعرت هديل بشيء من ثقتها المفقودة تعود إليها بسبب نظراته إليها التي كانت حقيقية في إعجابه بها.
قالت بخجل: يعني بجد حلو عليا؟
تفحصها من أسفل لأعلى مما زاد في خجلها وقال بشغف: هي لو مش حلوة عليكِ هتبقى حلوة على مين يعني؟
ابتسمت باستحياء فجأة أمسك بيدها وهو يقول بنبرة عابثة ونيته واضحة في عينيه: صحيح تعالي عايزك في موضوع مهم جدا.
قالت بدهشة: طب والأكل؟
ضحك حسام بمشاكسة: يستنى!
حملها بين ذراعيه فضحكت هديل بصوت عالي وشعرت بقلبها يرفرف كالفراشات.
مر عامان على زواجهما مرا بسلام وبحب تخللهما بعض المشاكل البسيطة التي أغلبها بسبب غيرة هديل عليه، ومنذ تلك المرة تشجعت هديل أكثر أن تجلس على راحتها أمام حسام خصوصا أنه بالفعل لا يجد أي ضرر في ندوبها أو جروحها بل ولا يبدو أنه يراهم أصلا مما شجعها مرة تلو الأخرى على أن تكون على طبيعتها حتى صارت ترتدي مختلف الملابس أمامه دون حرج أو خوف خاصة بعد أن خفت ندوبها كثيرا عن السابق بسبب المعالجة.
كانت جالسة بغيظ وحسام بجانبها لا يجرؤ على الضحك مين قالت بحنق: عجبتك؟ قولي لو عجباك أروح اخطبهالك أحسن.
غرق حسام في الضحك بجانبها بينما تناظره بحنق بينما تابعت بسخط: إيه بتضحك أوي كدة؟ طبعا شكل الوضع عجبك طبعا ماهي قاعدة تتمايع عليك وحضرتك ساكت لها الظاهر مبقتش مالية عينك.
أنهت كلماتها بقهر واضح فاقترب منها حسام ثم وضع يد عل كتفا يسحبها إليه واليد الأخرى تحت ذقنها حتى يجعلها تنظر إليه رغم تمنعها.
حدق في عيونها بثبات وتحدث بعتاب محب: طب ينفع الكلام ده يخرج منك؟ إيه مش مالية عيني دي؟ أمال لو مكنتش عيني مستنية سنين علشان تلمح بس نظرة حلوة منك؟
أرضى حديثه أنوثتها ولكنها مازالت تتظاهر بالضيق فتابع بجدية: دي عميلة عندي مش أكتر وأنتِ عارفة كويس أني لا يمكن عيني تشوف واحد غيرك.
ثم ابتسم بمرح: بس ده ميمنعش أني مستمتع جدا بغيرتك عليا.
رفعت حاجبها بعدم رضى: والله؟
ضحك حسام ثم جذبها إليه ليقبلها بحب فاستجابت له هديل، لقد كان حسام يستطيع بذكائه أن ينهي أي خلاف بينهما بأبسط الطرق ولا يطول الخلاف لأن هديل أيضا لا تحب مخاصمته وترضى فورا بمحاولته للمصالحة خاصة أن الخلاف بسيط ولا يستحق.
ورغم الحياة الهانئة التي تعيشها إلا أنها دائما كانت تشعر بالنقص بسبب عدم استطاعتها منح حسام طفل ورغم تأكيده الدائم على الاكتفاء بها ذلك لم يمح ما تشعر به ورغم ذلك لم تذهب لأي طبيبة حتى لا يخيب أملها.
كانت جالسة مع والدتها يتبادلون الحديث في جو من الترقب.
قالت هديل بتوتر: يعني متأكدة يا ماما أنه نتيجة الثانوية العامة النهاردة؟ أنا سمعت بيقولوا لسة بعد أسبوع.
رفعت والدتها كتفيها بحيرة: والله ما أعرف يا بنتي زمايله اتصلوا عليه وقالوا له بتظهر وهو جري علطول.
هزت رأسها ثم سألت والدتها: أمال بابا فين؟ ومالك ومليكة لسة مجوش من الدروس؟
ضحكت والدتها: مالك ومليكة عند أصحابهم.
ثم تابعت بغيظ: أما أبوكِ قعد مع صحابه شوية وبعدين قالي دخليني عايز أنام ودخل ينام مع أنه عارف أنه نتيجة إياد بتظهر أقول إيه بس على قلبه مراوح!
ضحكت هديل على والدتها فبالفعل والدها غير قلق على نتيجة إياد لأن لا أحد منهم يضغط عليه حتى يحقق معدل عالي يكفيهم أن يؤدي ما عليه فقط.
قالت لوالدتها وهي على وشك أن تنهض: طيب أنا هقوم أشتري شوية حاجات ولو إياد جه أو اتصل بلغيني.
حين نهضت شعرت برأسها يدور حتى أنها اضطرت للإمساك بالطاولة حتى لا تقع.
اسندتها والدتها بقلق: مالك يا هديل حصل إيه؟
صمتت هديل لأن موجة غثيان ارتفعت فجأة في حلقها فقالت بصوت مخنوق: مش عارفة يا ماما دوخت فجأة كدة.
وضعت يدها على معدتها: شكلي خدت برد في معدتي لأني حاسة أني عايزة أرجع وعندي قَرفة كدة بقالي كام يوم من الأكل.
نظرت لها والدتها بتفكير وقالت فجأة: طب تعالي نكشف فيه دكتورة شاطرة في أول الشارع.
قالت هديل بتعب: لا الموضوع مش مهم...
إلا أنها لم تكمل لأن الدوار عاد أقوى من السابق فأصرت والدتها: لا لازم نروح أنتِ مش شايفة نفسك.
وتحت تصميم والدتها رضخت هديل لرغبتها وذهبت معها للطبيبة.
عادوا بعدها للمنزل ووالدتها تسندها بينما هديل تحدق أمامها بعدم تصديق حتى دلفوا لغرفتها القديمة وساعدتها والدتها لتجلس على السرير ثم جلست بجانبها.
التفتت لوالدتها وأمسكت بيديها قائلة بعدم تصديق: ماما هو اللي بيحصل ده حقيقي؟ بجد اللي سمعناه ده؟ ماما أنا حامل بجد!
انهمرت دموع والدتها بسعادة وأكدت لها: اه يا حبيبتي أنتِ حامل ألف حمد وشكر ليك يارب.
اضطربت أنفاس هديل وهي تتذكر ما حدث حين ذهبت للطبيبة التي اكتشفت أنها طبيبة نسائية ورغم امتعاضها إلا أنها طاوعت والدتها وانتظرت بملل أثناء فحص الطبيبة حتى تنتهي وتخبرها أنها ليست حامل وأن ما بها مجرد تعب عادي.
إلا أنها صُدمت كليا حين جلست أمام الطبيبة التي قالت مبتسمة بعد بضعة أسئلة: مبارك يا مدام هديل حضرتك حامل.
ظلت هديل تحدق إليها بعدم تصديق ورمشت عدة مرات حتى تستوعب ما يقال لها.
حدقت إليها الطبيبة باستغراب: مدام هديل أنتِ كويسة؟
قالت والدتها بفرحة: هي بس مش مصدقة من الفرحة يا دكتورة أصلها متجوزة بقالها كتير يا حبيبتي وكانت فقدت الأمل.
وضعت هديل يدها على يد والدتها وقالت بهدوء غريب: استني بس يا ماما.
عادت تنظر للطبيبة وهي تقول بألم ممزوج بعدم الاستيعاب: بس ده مستحيل يا دكتورة أنا عندي مشاكل كتيرة تمنعني من الخلفة وأنا قايلة لحضرتك من الأول
ابتسمت الطبيبة وقالت بصراحة: مش هكدب عليكي بعد الفحص واللي عرفته منك فعلا صعب جدا تحملي بس إرادة الله فوق كل شيء وأنتِ فعلا حامل بس لازم أكون صريحة معاكِ حملك ده حساس جدا ومحتاج اهتمام ورعاية ومتابعة زيادة فوق العادي وكمان ممكن ده الحمل الوحيد اللي تقدري تحمليه بس محدش يقدر يحزم طبعا لأنه كل ده في علم الغيب زي ما كان مستحيل تحملي ودلوقتي أنتِ حامل وبالحسابات في أربع شهور كمان.
شهقت هديل بقوة وارتجفت وهي تستوعب أخيرا حقيقة ما يحدث، بدأت تبكي باضطراب وشعورها يتأرجح بين السعادة وعدم التصديق.
رفقت الطبيبة بحالتها وقالت بلطف: مدام هديل الإنفعال الزيادة مش حلو علشانك ده غير أنه لازم ترتاحي طول الوقت ومتعمليش أي مجهود جسدي ونفسي.
قالت والدتها بلهفة: مش هتتحرك من مكانها يا دكتورة وأنا مش هخليها تشيل معلقة حتى.
أومأت الطبيبة ثم كتبت لها بعض الفيتامينات والمثبتات للحمل وأوصتها بالراحة النفسية والجسدبة والمتابعة بشكل مستمر كل أسبوع بسبب حساسية حملها.
عادت للحظة الحاضرة وهي تبكي في حضن والدتها، وضعت يدها على معدتها وهتفت: أنا حامل يا ماما أنا حامل!
ردت والدتها بفرح: الحمدلله يارب الحمد لله ربنا كريم والله المهم تهدي يا حبيبتي الدكتورة قالت بلاش انفعال.
ابتعدت عنها فجأة وقالت وهي تنظر حولها بشيء من الضياع: حسام! لازم أقول لحسام فين تليفوني؟
مسحت والدتها على شعرها وقالت بحنان: ارتاحي أنتِ وأنا هتصل عليه.
تمددت هديل على الفور بطاعة: أنا مرتاحة ونايمة أهو مش هتحرك من مكاني خالص.
ثم نظرت لبطنها بخوف فابتسمت والدتها بعطف عليها وخرجت لتتصل بحسام وأخبرته أن هديل متعبة وقد ذهبت للطبيبة فقال إنه سيحضر على الفور ولم تخبره بحمل هديل ورأت أن من الأفضل أن تخبره هديل بنفسها.
أتى حسام على وجه السرعة تاركًا عمله وسأل بخوف حين فتحت له والدة هديل الباب: مالها هديل يا ماما حصل لها إيه؟
ابتسمت آمال على لهفته وخوفه على هديل وقالت بمراوغة: هي مريحة جوا أدخل اسألها هتقولك.
عقد حسام حاجبيه بعدم فهم ودلف لهديل التي وجدها شاردة وهي تضع يدها على بطنها.
جلس بجانبها على الفور وأخذ يديها بين يديه بلهفة قلقة: مالك يا حبيبتي في إيه؟ الدكتورة قالتلك إيه؟
نظرت له هديل وقد تدفقت السعادة داخلها حتى طغت على مشاعرها.
نظر حسام للدموع التي بدأت تنهمر على وجهها باضطراب وتشوش بينما قربته هديل منها وحدقت في عيونه وقالت ببهجة شديدة: أنا حامل.
بقى حسام للحظة يحدق إليها بدون ردة فعل حتى اتسعت عيونه بذهول وبدأ يتنفس بصوت مسموع: أنتِ إيه؟
ابتسمت هديل ابتسامة عريضة وهي تؤكد بصوت أعلى: أنا حامل يا حسام حامل!
تهلل وجهه و ظهرت السعادة الشديدة في عينيه واندفع إليها يعانقها فتعلقت هديل به ولفت يديها حول عنقه وهي تضع يدها في شعره.
قال حسام بنبرة مخنوقة من الغِبطة: أنا مش مصدق نفسي الحمدلله يارب.
ضحكت هديل واختلط الضحك مع البكاء وهي ترد من بين دموعها: ولا أنا مصدقة الحمدلله يارب الحمدلله.
أبتعد عنها قليلا ونظر في وجهها وقد لاحظت الدموع التي تجري على خديه فوضعت يدها على وجهه وهي تهتف مرة أخرى: أنا حامل يا حسام الحمدلله يارب.
ضحك كلاهما بسعادة غامرة بينما اختلطت دموعهما فأدار وجهه ليقبل يدها بحرارة وراقب المشهد من بعيد والدتها وأخاها الذي حضر أخيرا وفي يده الورقي التي بها معدله، أسند إياد الذى غدى شاب وقد ازداد طوله وتحسنت صحته حتى أصبح يمارس حياته بشكل طبيعي رأسه على كتفه والدته التي وضعت يدها على فمها حتى تكتم صوت بكائها، لم يخجل من دموع السعادة التي انهمرت لأجل أخته على وجهه، أخته التي عانت لزمن طويل من أجله فقط راقبها بعيون محبة وقلبه ملئ بالارتياح والسعادة من أجلها، نظر للورقة التي بيده وضحك بصوت منخفض، إن على معدله العالي الذي حققه أن ينتظر الآن للخبر الأهم والأسعد في حياتهم جميعا.
بعد مرور ثلاثة أشهر أخرى على الحمل وحرص الجميع من حول هديل على سلامتها وسلامة الجنين الذي حفظته بحب داخلها اضطرت لأن تخضع لعملية قيصرية مستعجلة بسبب رحمها الذي لم تنتهي مشاكله، كانت شاكرة لنعمة الله ونبضات الحنين التي تسمعها في كل مرة تنبض داخلها كانت تملأها بنوع جديد من الفرح والرضى.
لم ترد معرفة نوع الجنين فهي شاكرة لأي شيء يأتيها من الله وأحبت أن تترك ذلك للمفاجأة، حين فتحت عيونها وجدت حسام أمامها فقالت بتوق: حسام البيبي عامل إيه؟ هو كويس؟
قبل يدها ثم قال بحب: حمدا لله على سلامتك يا حبيبتي كل حاجة بخير الحمدلله بس عندي ليكِ مفاجأة صغننة كدة.
عقدت حاجبيها بحيرة إلا أن حيرتها لم تدم طويلا لأن الباب فُتح ودخلت والدتها حاملة الطفل بين ذراعيها يتبعها والدها على كرسيه المتحرك، تطلعت له هديل بشوق وحب وجلست بمساعدة حسام.
مدت يديها لتأخذ الطفل منها إلا أنها تجمدت حين دلف إياد بعدها وهو يقول بمرح: لا بس ده شغل فاخر والله اتنين مرة واحدة!
اتسعت عيون هديل بصدمة وهي تنقل نظراتها بين الطفل الذي تحمله والدتها والذي يحمله إياد ثم التفتت لحسام وقلبها ينبض بقوة: أنا مش فاهمة حاجة!
ضحك حسام بخفة ثم نظر للأطفال بحب: بقى عندنا بنتين زي القمر يا حبيبتى.
نظرت هديل للطفلتين ورددت بصدمة: بنتين؟
رفعت يد مرتجفة بإشارة إصبعين: اتنين؟
في تلك اللحظة ولجت الطبيبة التي قالت بإشراق: حمدا لله على سلامتك يا مدام هديل الصراحة كانت مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لنا لما طلعنا البنوتة الأولى ولقينا لسة فيه واحدة جوا طلعت كانت مدارية في أختها وأنا مكنتش بشوفها على السونار.
ضحك الجميع ماعدا هديل التي نظرت للفتاتان بشوق ثم فتحت ذراعيها قائلة: هاتوهم عايزة احضنهم.
تناولت الفتاة الأولى على ذراع ثم الثانية على الذراع الأخرى بمساعدة حسام.
حدقت إليهم بحب فطري يملأ قلبها وقبلت كل واحدة منهم ثم أغمضت عيونها حتى تسيطر على الدموع التي بهما إلا أن هناك بالفعل دموع تسللت من بين جفنيها ليتساقطوا على خديها.
شعرت بيد على خدها، فتحت عيونها لتجد حسام يمسح دموعها ويقول بحنان: ليه الدموع دي دلوقتي يا ديلا؟
ابتسمت له: مبسوطة، مبسوطة أوي يا حسام الحمدلله ربنا كريم أوي وعوض ربنا حلو أوي.
جلس بجانبها وهو يضمها إلى أحضانه مع طفلتيه وقبل جبينها بحب ثم حدق للطفلتين بحب: وأنا الحمدلله مبسوط، مبسوط بكل حاجة في حياتنا مع بعض وببناتنا.
ثم حدق لعيونها بهيام: وبيكِ.
كانت مشاعرها أكبر من أن تصيغها في مجرد كلمات إلا أنها عبرت عنها بعيونها ونظراتها له، حمدت الله في سرها مرة أخرى فقد كانت راضية وسعيدة بتلك الحياة بشدة وتأملت وجود أهلها حولها وأطفالها في أحضانها ثم أغمضت عيونها واسندت رأسها على صدر حسام لتنعم بأمان حضن حبيبها الأول والوحيد.
تمت بحمد الله.
#أحرقني_الحب.
بقلم ديانا ماريا.
أتمنى تكون النهاية عجبتكم يا حلوين ❤️ إيه المشهد المفضل ليكم؟ بإذن الله انتظروني قريبا في الجديد ❤️.
اكتب في بحث جوجل 👇
(مدونه الرسم بالكلمات رواية احرقني الحب )
ستظهر لك كامله 👇
لقراءه الرواية كامله اضغط هنا 👇
أو تابعنا على صفحة الفيس بوك
النهايه نتقابل في روايه جديده