روايه بيت البنات الفصل السادس 6 بقلم أمال صالح
#السادس
- ما بلاش دلع بقى وكلام فاضي، هو أنتِ أول ولا آخر واحدة تبقى أم؟! ما كلنا كنا أمهات يا حبيبتي ومش كل ما العيل يعيط كنا بنروح نشيله ونرضعه، قسِّي قلبِك شوية عن كده!
نطقت بتلك الكلمات القاسية والحادة "إيمان" حماة ندى و والدة "ناصر" وهي تنظر لها بضيق؛ فكلما بكت طفلتها "خلود" تهرول لتأخذها منها وكأنها ستموت إن لم ترضع! ما المشكلة إن تركتها تبكي فحسب!
نظرت لها ندى بحزن وقلبها يتآكل آلمًا على طفلتها التي تبكي: يا طنط هي لما بترضع بتسكت، وأنا لسة مغيرلها الحفاضة وطالما بتعيط كده يبقى جعانة.
وقفت حماتها تحرك الطفلة بينما تسير بيها: طب بس خشي كملي الأكل عشان الناس اللي جاية دي، وهي شوية وهتسكت لوحدها.
نظرت ندى لطفلتها ثم لتلك المرأة القاسية قبل أن تتحرك ناحية المطبخ مرة أخرى تتابع إعداد الطعام مع سلفتها "نورة".
كانت طفلتها تبكي بالخارج وهي تبكي بالداخل بقلة حيلة، التفت نورة تغادر المطبخ بعدما قالت: أنا هطلع أشوف سيد عايز إيه وأنزلِك على طول، خلي بالك المحشي لأحسن يتحرق.
وكانت هي بعالمٍ آخر من الأساس، لم تستمع لها ولم تشعر حتى بخروجِها، غسلت يدها ووجهها ثم خرجت هي الأخرى بعد أن جففتهم، وقفت أمام إيمان تمد يدها نحوها تأخذ إبنتها رغمًا عن تلك التي تفاجئت بما تفعله ندى.
- الله! بتعملي ايه يابت أنتِ؟؟ قولتِلِك مفيش وقت للدلع ده، الناس على وصول!
حملتها بهدوء وسارت عائدة للمطبخ بينما تجيبها: وأنا مش هعرف أفضل سامعة عياطها ده كده، تسكت وبعدين آجي أكمل.
عقدت إيمان حاجبيها بغضب وهي تتبعها متحدثة بصوتٍ عالٍ وصراخ: يعني ايه يعني، هي هتموت من العياط مثلًا، سيبيها يختي تعيط وشوفي مصالحِك.
خرجت هايدي من غرفتها أثر صورتهم العالي، تحركت للمطبخ حيث يخرج الصوت وقالت وهي تفتح الثلاجة بضيق: مش عارفة أذاكر منكم! وطوا صوتكم شوية.
التفت لها إيمان لتصيح بسخرية: لأ لازم صوتوا يعلى لما الأستاذة سايبة الأكل على النار يقلب يضرب وقال ايه لازم ترضع البت، ويولع الناس اللي جاية مش كده.
كانت ندى تنظر برضى لإبنتها التي ترضع بسكون وقد هدأت تمامًا، رفعت وجهها تنظر لإيمان: آه ... بنتي أهم من الأكل وأهم من ألناس وأهم من كل حاجة.
وضعت هايدي الكوب الذي كانت تشرب فيه بقوة على الرخامة حتى كاد أن يتهشم لقطع، قالت بهدوء وهي ترفع حاجبها مُحذرة: من غير طولة لسان، اشبعي ببنتِك ولا تعملي اي حاجة ولما ناصر يجي مع الناس نبقى نشوف الحوار ده.
التفت ندى تعطيهما ظهرها: براحتكم، أنا مابعملش حاجة غلط، اللي شايفاه صح بعمله.
أخذت الصغيرة ترفع يدها عاليًا وهي تلعب في الهواء، أبعدتها ندى عنها بعد أن رأت أنها لم تعد جائعة، التفت لتخرج من للمطبخ تحت أنظار هايدي وإيمان اللاتان لحقتا بها.
- خلاص مش عاملة اعتبار لكبير ولا صغير، أهلِك معلموكيش الأدب في بيتكم؟؟ بتردي كده بكل بجاحة عادي يعني؟؟
جعلتها تلك الكلمات تتوقف لتضع الصغيرة على طرف الطاولة بجانبها تلتفت بغضب تنظر لإيمان التي اساءت لها ولعائلتِها: ماسمحلكيش، أهلي مربيني أحسن تربية ولو مكنوش عملوا كده مكنتيش هتلاقيني في بيتِك كل يوم بخدمِك وبعملك اللي مفيش واحدة تعملوا لحماتها الأيام دي، صابرة وساكتة عشان خاطر ناصر بس مش أكتر.
وقفت هايدي أمام والدتها تدافع عنها: فين يختي الأحسن تربية دي، بعدين اللي أنتِ بتعمليه لأمي ده فرض عليكِ يا حبيبتي، أومال هي مخلفة راجل ليه؟؟ عشان يتجوز ويدلع مراته؟؟ لأ يا روحي فوقي، ناصر متجوزِك عشان تبقي خدامة لينا هنا لا تقوليلي حب ولا تقوليلي كلام فـ...
أثناء صراخها وقعت الطفلة فزعة من فوق الطاولة يصدم رأسها بالأرض الصلبة، التفت ندى صارخة بإسمها لتحملها سريعًا تحركها والدموع تملئ وجهها: خلود، بس يا قلب أمك اهدي..
نظرت لهما بإحتقار قبل أن تتركهم وتصعد السلالم المؤدية لبيتها، بكت الطفلة خلال ذلك لدقيقة أو اثنتين قبل أن تصمت فجأة.
توقفت ندى عن الحركة وهي تنظر لها بقلبٍ يرتجف: خـ .. خلود.
أخذت تدابع وجهها وتُحركها بلطف: خلود!!!
تحولت حركاتها الخفيفة لعنيفة وهي لا ترى أي استجابة، صرخت وهي تنهار فوق السلم أسفلها: خلود ... بنتى ... يلهوي، الحقوني!!
استمرت بالصراخ إلى أن التفوا حولها جميعًا، هاتفت هايدي ناصر فورًا تخبره بتلك المصيبة ليترك ما بيده متحركًا للبيت وهو يدعو الله أن يكون كل شيء على ما يرام.
أخذها وتحرك للمستشفى تاركًا خلفه هؤلاء الوحوش الذين بدأوا بإلتهامها بكلماتهم السامة وإتهاماتهم الباطلة.
كانت ندى تنظر أمامها وكأنها لا تراهم، الدموع تنهمر من عينيها بينما كانت ملامحها جامدة، لقد شعرت بهذا في قلبها؛ شعرت أن إبنتها فارقت الحياة، لم تشعر بأنفاسها..
اخد صدرها يعلو ويهبط بينما لا تنطق بكلمة وهما من حولها يصرخان بها: منك لله، أنتِ السبب، ربنا ياخدِك..
لم تشعر حتى بيد هايدي التي أمسكت بها من ملابسها تدفعها خارج البناية: غوري ومشوفكيش هنا تانية، أنتِ مجرمة .. مجرمة!
أفاقت ندى من تلك الذكريات البشعة على صوت الباب، مسحت وجهها ووقفت لتفتحه وكان الطارق والدها توفيق وجنى.
كانا هما أيضًا بحالة يرثى لها، دخل توفيق غرفته وكذلك فعلت جنى التي ألقت بجسدها على الفراش، تطالع سقف غرفتها بألم يسري بقلبها.
لما يحدث معهم كل هذا؟!!
هل بسبب ذلك السحر الذي وجدوه!
اغمضت عينَها وهي تتابع التفكير، تُرى مَن قام بصنع مثل هذا الشيء لهم! من سيستفيد يفعل شيء كهذا؟!!
وقفت لتقوم تبديل ملابسها والخروج لتناول أي شيء، مرت بغرفة والديها فاستمعت لصوت ندى وهي تتحدث مع والدها بصوت مختنق: هيطلقني يعني؟
أجابها توفيق وهو يمسح على ذراعها: هو مقالش كده يابنتي، بلاش تسبقي الأحداث، هو قال يسيبك هنا كام أسبوع لحد ما تهدي وهيبقى يكلمني.
نفت ندى وهي تمسح وجهها تؤكد له: هم مش هيسبوه يرجعني، الله أعلم قالوله إيه ولا فهموه إيه، دول ناس وحشة أوي يا بابا أوحش مما تتخيل!
تنهدت جنى وهي تتابع طريقها للمطبخ، وقبل أن تقوم بإعداد أي شيء خرجت مرة أخرى لتتحرك لغرفة شقيقتيها بسنت وبسملة.
دخلت دون أن تطرق الباب كعادتها عند دخول
تلك الغرفة التي عادةً ما تكون فارغة بسبب تواجدهما بسكن الكلية.
تسببت بإنتفاض بسملة التي كانت تدردش مع أحدهم في هاتفها والتي سرعان ما خرجت من تطبيق الواتساب لتطبيق الفيس بوك متصنعة إنشغالها بالقراءة.
لم تلاحظ جنى كل هذا وألقت نظرة بالغرفة فوجدت بسنت نائمة متكورة حول نفسها فاقتربت لتجلس جانبها.
كانت ملامحها قلقة حتي وهي نائمة، ربتت على كتفها وهي تناديها بصوت خافت: بسنت ... بسنت!
رفعت وجهها لبسملة التي كانت طالعها بطرف عينها بينما قلبها يكاد يخرج من مكانها لشدة توترها، وضعت يدها على جبينها تمسحهه قبل أن تقف متحركة للخارج: الجو حر هنا أوي، أنا هقف في البلكونة شوية.
أوقفتها جنى بسرعة: أكلتِ؟؟ أنا هجهز أكل.
أجابت وهي تخرج: لأ لأ أنا شبعانة.
اومأت لها جنى وعادت لتوقظ بسنت بهدوء، فهي بالأساس نومها خفيف جِدًّا وابسط صوت يجعلها تستيقط.
فتحت بسنت عينَها لتبصر وجه جنى التي قالت بإبتسامة: صحي النوم ياستي! أنتِ نومِك تقل كده امتى يابت!
اعتدلت بسنت وهي تلتقط هاتفها تنظر في الساعة بتلقائية كما تفعل كل صباح فتفاجئت بالساعة الثامنة مساءًا.
- يلهوي أنا نمت كل ده ازاي؟!!
ابتسمت جنى بحزن وهي تربت على ذراعها: تلاقي بس عشان نايمة قلقانة، مكلتيش طبعًا.
تثائبت لتضع يدها اليمنى على فمها وهي تجيبها ويدها الأخرى على بطنها: أيوة أنا فعلًا جعانة جِدًّا.
- طيب تحبي أعمل بقى فول وطعمية ساندوتشات وخلاص ولا أعمل صينية محترمة ونقعد ناكل أنا وأنتِ.
ابتسمت بسنت: أي حاجة!
- يعني أنتِ حابة إيه ياست أنتِ؟!
رفعت بسنت أكتافها ببساطة: اي حاجة والله، أصل أنا في كلا الحالتين هاكل، وكدا هشبع وكده هشبع فأي حاجة.
- ماشي ياستِ قومي بقى غسلي وشِك على ما اخلص.
تحركت للخارج فأوقفتها بسنت وهي تنظر حولها: أومال فين بسملة؟؟
أشارت جنى للخارج: واقفة في البلكونة بتقول الجو حر....
تابعت بمزاح وهي تنظر للمكيف بالغرفة: مش عارفة التكييف ده مش واكل معاها باين!
وبالشرفة وقفت تعبث بهاتفها مرة أخرى وهي تحادثه وتلك الابتسامة لا تفارق شفتيها، يغرقها بتلك الكلمات المعسولة ونظراته المحبة، اهتمامه بها وبكل تفاصيلها، ماذا ستريد أكثر من هذا؟!
- هتبات في البلكونة ولا ايه ياعم مَجد، ادخل يلا ماما عايزاك.
توسعت عيناها وهي تستمع لصوت "سامر" ابن عمها الذي يوجه حديثه لأخيه "مجد" بالأعلى، ابتلعت ريقها وهي ترفع رأسها ببطئ تأمل أن يكون لم يراها.
رفعت وجهها فأبصرت وجهه وتلك النظرات التي أخذ يرميها بها، أدخلت جسدها ورأسها سريعًا بعيدًا عن السور فسمعته يجيب على سامر:داخل أهو.
نفت براسها وهي تؤكد لنفسها أنه لم يرى المحادثة، بالتأكيد لم يراها؛ المسافة بين الشرفتين كبيرة!
انتفضت بفزع عندما جاء صوت من خلفها: تأكلي يا بسملة؟
التفت سريعًا تصرخ بتلك المسكينة بسنت: ايه يا بسملة خضتيني!
وما ذنبها.! جاءت فقط لتتأكد انها ليست جائعة!
- بتزعقي ليه طيب؟؟ براحة مكنتش أقصد.
ولجت بسملة وقامت بدفعها في كتفها وهي تتمتم بضيق: الواحد ميعرفش يقعد بهدوء! اي ده!!
تعجبت بسنت كثيرًا بسبب ردة فعلها الغير مبررة، وتحركت بهدوء للداخل لتناول الطعام رفقة جنى.
صباح يوم جديد، استيقظت جنى على صوت هاتفها الذي لا يتوقف عن الرنين مما أجبرها على الاعتدال بالفراش والتقاطه لترى هوية المتصل "جميلة"؛زميلة لها بالعمل.
- وعليكم السلام، في حاجة يا جميلة ولا إيه؟؟
توسعت عيناها شيء فشيء وهي تستمع لردها: أيوة يا جنى، وصلنا المكتب النهاردة لقينا الباب مكسور وحاجة الشغل كلها واقعة على الأرض متكسرة ومتقطعة!!!
لمتابعه باقي فصول الرواية اضغط هنا👇