روايات كادي
بسم الله الرحمن الرحيم
*
*
لا تلهيكم الرواية عن الصـلاة
*
( 1 )
( المــاضي القـريب )
*
" يتكئ على الجدار البالي، أنفاسه مع أنفاس الهواء يثيران الأغبرة من حوله، يحتضن سلاحه على صدره وينصب قدميه بزاوية حادة، كحدة أفكاره الحاليّة
هو في أرض المعركة، الشوط الآخير .. لم يتبقى سوى القضاء على الخصم فلما التراجع ؟
صوت اللاسلكي المعلقة سماعته بإذنه يدوي كدوي القنابل، يحصون الخسائر ويعيدون ترتيب المهام
-خنجر، خنجر واحد، أجب
-خنجر واحد، نعم سيدي!
يقولها بنفسٍ متسارع كالواقع أسفل أطنانٍ من التعب والعطش واللهاث الجائع، يعاود القول :
-الرؤية ؟
-سلبية، حول.
لعله يطمئن قليلًا، ولما لا يطمئن وهذا الإنفجار المفاجيء أثار ارتياعهم رغم استعدادهم التام للأسوء، يعيد الاستفسار المضني:
-الخسائر؟
-صفر سيدي، حول.
على الطرف الآخر يتنفس الصعداء أخيرًا، إلا خسائر الأرواح البشرية أولًا، وليأتي الطوفان بعدها .. لا بأس
يستكين الجهاز لعدة ثواني، بينما تدور إذنه الآخرى باحثة عن نقطة الهدف، يستعيد الجهاز صوته، صوتٌ أشبه بإنسان ناجٍ من الغرق .. ليقول ذاك -المغلوب على أمره- بعد حفلة من التوتر، قولًا أصاب المستمع بقنبلة دهشةٍ وقلقٍ عارم، يالها من مصيبة !:
-الثعلب خرج من جحره، سيدي!
التمعت عيناه بقسوة حادة بشكل مفاجئ، واستطاع سماع صراخ المدعو "سيدي" المختنق والمنصعق، زعاقٌ أصم بإذنيه مما دعاه لأن يغلق اللاسلكي حتى لا يعيقوا خروج " الثعلب من جحره " ويعيقوا مخططاته، ولكن قبل ذلك تمكن من سماع أمر سيده:
-ثعلب، أعرف إنك تسمعني .. بصفتي قائد هذه المهمة ورئيسك آمرك بالتراجع، أكرر ، آمرك بالتراجع
أغمض " الثعلب " عينيه وشد من إحتضان السلاح على صدره، خسئوا ما نالوا إلا التمني، التراجع لشخصٍ مثله كالوقوع في صيدِ كمين، ما اعتاد الجلوس والنواح على خطةٍ ربما باءت بالفشل، بل اعتاد المراوغة من وراء هذه الخطة والمكر لمن آمن سِلمه
تسلح بصمته وعقله يعمل بصورة سريعة، مثلما يتسلح الآن من كل النواحي .. خوذة رأسه، نظارة عينيه السوداء ذات قابلية لرؤية ليلية .. صدرية مدرعة، مسدسٌ على خصره، سلاح أبيض يستكين بالقرب من قدمه، سلاحٌ آخر يحتضنه، وسلاحٌ أعظم من ما بيديه .. عقله الماكر
تجاهل الرد على قائد المهمة، فالنصر قريب، والتراجع مستحيل، صوت "سيدي" يعود على سطح أذنه بنبرة أكثر حدة:
-خنجر خمسة استلم الثعلب، فريق خنجر تمركزوا في أماكنكم، حول وانتهى.
هكذا أصبح هو والعدو بمنزلة واحدة، فجملتي " استلم الثعلب " و " تمركزوا في أماكنكم " تعني آتوني بالاثنين.. أحياء أم مصابان !
سمع خرخشة من مكانٍ بعيد فتحفزت أطرافه وجميع خلاياه، لا يعلم كيف نجى من الإنفجار الذي حصل قبل قليل وقد كاد يؤدي بفريقه، ولكن من رحمة الله بهم أنهم قد استلموا مكانًا آخر قبل وقوعه بثواني
أنصت السمع، طقطقة الحصى ببعضها، أصواتِ جرِّ أقدام، أنين خافت متوجع، حفيفٌ شجر في أرضٍ مقفرة .. فابتسم بمكر
هاهو الطعم قد سقط في كمينه، فليبارك الله خطوات الثعلب الأخيرة !"
*
*
( اليـوم - فـي إحدى سجون المنطقـة )
*
يجلس أمام مكتب "العقيد" الصامت، تستكين عيناه على فخذيه دون أن يحني رأسه، يتشاغل بعدّ الشوائب في أرضية الغرفة المعتمة -فثاقب النظر مثله- لا تفوته فائتة
يصدح صوت "العقيد" قبالة جمود الشخص الجالس بقربه، ببشارة لطالما انتظرها هو كمأمورٍ للسجن:
-تعرف ليش استدعيتك اليوم؟
يقولها "العقيد"، فيحافظ على صمته، استدعاء ؟ منذ متى لم يتلقى إستدعاء من العقيد خلال فترة وجوده بالسجن؟ منذ سنة ونصف السنة، يكاد لا ينسى ذاك اليوم ما حيا.
يكمل "العقيد" بتروي كأنه يلقي الطعم رويدًا رويدا:
-أهل المجني عليه تنازلوا عنك
تراءى للعقيد اشتعال "ذهبيتيه" عند نهاية الجملة، فينتفض جسده طربًا لعودة الالتماع من جديد إلى وكِر عينيه
في حين هو لا يصدق ما سمع، بل شعر بالسخرية العارمة التي تحيط جملة العقيد-رغم أنه قالها بجدية تامة- فيستيقظ النائم من قبره وتعود عيناه للإشتعال، لا للإلتماع فقط
طال صمته فاستغرب " العقيد "، فأردف بإستفسار محاولًا أن يلمح نظرة واحدة منه:
-ماعندك فضول تعرف ليش تنازلوا عنك وأنت ما باقي على محكوميتك إلا نص سنة؟
حينها، كمن استيقظ من سباته، فاتسع ثغره -أخيرًا- بابتسامة موجعة في عمقها، متألمة في قسوتها، ليخرج صوته من غيهب السخرية:
-أشفقوا على قتّال ولدهم؟
لم يسترعي ذلك إنتباه مشاعره المترمّدة ولم يحيي فيه بصيص الأمل المزعوم
فقال "العقيد" بابتسامة تشجيعية -هو- أبعد ما يكون بالحاجة إليها:
-إلا أبشرك المجني عليه صحى، وهو اللي تنازل عنّك بنفسه
آه ياللغرابة .. كيف تتغيّر المسميات بشكلٍ تراجيدي هكذا؟
أمِن ( الضابط ) يصبح ( المجني عليه )؟
أمِن ( الصديق ) يصبح ( المريض )؟
أمِن ( القائد ) يصبح هو ( المتهم )؟
كم من يومٍ تطلب الأمر حتى تعيد الحروف موازنة نفسها بعد أن مرت عليها أمواج القسوة والشراسة ؟
كم من ليالي جاهدت تلك "الألقاب المسكينة" على إحياء الأمان المتزعزع بين شقوقها ؟
أيامًا طويلة، بل ربما شهور .. لن تجدي عودتها نفعًا بعد الآن ..
أكمل "العقيد" بمهنية جادة:
-ما يحتاج تكمّل الباقي من محكوميتك يا "عمران"، أنت بعد اليوم حر، حاولنا نسرع إجراءات خروجك، باقي توقع وتستلم أمتعتك ثم تتوكل على ربك، ونتمنى ما نشوفك مرة ثانية!
أنهى جملته وهو يسلمه عدة أوراق مشيرًا له على عدة أماكن، تناول عمران القلم بهدوء ووقع على أوراق خروجه، هكذا ببساطة! تهمة عظيمة تزج بك في السجن، وورقة بيضاء تقودك للحرية.
وقف عمران بعد أن أنهى التوقيع، وما يعيشه الآن من شعور هو أقرب -للاشيء-، اللامبالاة التي تحيط به الآن ماهي إلا نتاج جلد ذات طوال سنة ونصف السنة، فتلك الليلة سرقت من عقله شيءٍ ما أشبه بالأحجية المفقودة، وحتى اليوم لم يستطيع استردادها
قال العقيد بعد صمتٍ قصير:
-رئيسك يثني عليك!
وقف عمران بإنفعال اتضح من صرير الكرسي الذي خرج صوته مزعجًا للآذان، غير منتبه تمامًا لإشتعال عينيه الذي عاود الإحتراق من تحت رماده، أكمل العقيد وسط صمت عمران المؤذي:
-محاكمتك السرية راح تكون في صالحك، أنا أعترف إنها خطوة ذكية وما تفوت واحد ذكي مثلك، لذلك أتمنى منك تستغل ثغرات هذه الفرص مثلما تعودتم تمامًا .. وأنت فاهم وش أقصد !
شعر بإشتعال أوردته وأن ما كان دماءً أصبح ماءً على مشارف الجفاف، "سخافة" موقفه في غرفة العقيد ..
لا تبرر "جهالة" موقفه في أرض الاشتباك !
كلا الأمرين في عينيه أعظم من الآخرى
حين رأى العقيد صمته البغيض مستمر، أكمل بهدوء:
-صحيح غلطتك كانت راح تهدر أرواح بشرية هدفكم أنتو كـ"حماة وطن" حمايتهم، وصحيح إن القانون فوق كل واحد فينا .. لكن العفو والصفح من شيمنا
حينها هتف عمران بجمود، بعد أن أدار جسده ونظر إلى العقيد بنظرة لامُبالية:
-والمعنى؟
أخرج أوراقٍ عدة من مكتبه وأخذ يرصها فوق بعضها البعض وأردف دون أن ينظر إليه:
-ما من معنى وراء كلامي، وإن كان هناك معنى فأنت لبيب تفهم بالإشارة
(أكمل بصوتٍ عالٍ )
-ياعسكري
دخل العسكري من خلف الباب، بعد أن لبّى نداءه .. ليقول العقيد :
-قود "السجين" إلى زنزانته، يستلم متاعه والله معه
(ثم نظر له)
-السيّارة تنتظرك برا.
نظر له عمران بنظرة منزعجة قبل أن يوليه ظهره، فابتسم وهو يرفع كفيه ويميل رأسه جانبًا:
-مالي شغل، هذه أوامر عليا إنهم يستلموك من أمام السجن
كبت تنهيدة حارقة كادت تشق طريقها للخارج، ارتسم البرود من جديد وتوشح به، تبع العسكري إلى الزنزانة وأخذ يجمع حاجياته في حقيبة قماشية سوداء اللون.
كما دخل السجن في صمت، وقضى أيامه في صمت، ها هو ذا يحمل حقيبته ويخرج في صمت.
توقف قبيل خروجه من البوابة، وتسائل، لوهلة تسائل،
أي شيءٍ ينتظره خارج أسوار السجن؟
أي حياة سيظل متيقظًا طوال وقته للسعي وراءها؟
أي مقامٍ سيبنيه بعد خرابه؟
وحينما لم يجد إجابةٍ لأسئلته البسيطة في ظاهرها، العميقة في باطنها شد على حزام حقيبته وخرج يجر أذيال الأمل المزيف بعد حفلةٍ من اليأس، وها هو فور خورجه يتفاجأ بوجود إحدى ( جنوده سابقًا )
يا لأول خطوات الوجع!
تقدم ذاك منه وعلامات الإنبساط مرتسمة على وجهه، مد يده مصافحه وشد عليها بقوة، لولا غرابة المكان، ورؤوس الحراس المنتصبة أعلى سور السجن لاحتضنه بلا خجلٍ وحياء
-"فزاع"
قالها عمران بمزيج دهشة وحنق، فنزع فزاع يده بلطف وتراجع للخلف بابتسامة واسعة، ومثل الأيام الخوالي .. رفع يده مؤديًا التحية العسكرية ليقول بنبرة رائقة:
-فزاع تحت أمرك سيدي !
*
*
" حسبي الله على أبوكم كانه بيفضحني تالي عمري، حسبي الله عليه "
صاحت بهذه الجملة مرارًا وتكرارًا وهي تجلس على الكنبة الوثيرة، تلطم يديها بفخذيها، تنوح وتصيح بلا دموع
يتقدم الاثنين منها، يجلسان عن يمينها وعن شمالها، يهتف أكبرهم بهدوء متزن:
-يمّه وش اللي صاير الله يرضى لي عليك ؟
تضرب صدرها بقوة أكبر، يتزايد غضبها عند كل تربيتة كتف أو كلمة مؤاساة:
-بيفضحني، بيخليني علكة في حلوق المخاليق، شيخة بنت رماح يطلقها زوجها تالي العمر ويتزوج غيرها، آه حسبي الله عليك يا زاهد .. حسبي الله عليك فضحتني
يردف الأصغر بإندفاع غاضب:
-منهو يقوله يمه؟ أبوي ما سواها وأنتِ عادك بنيّة، يسويها وعياله هالكبر
-كلهن يقولنه، الحقودات الحسودات، وحدة متصلة فيني تدس السم في العسل، والثانية داخلة بيتي تتمخطر بشماتتها، آه ياقهري آه
الأصغر بحنق، يحاول إبعاد تفكير والدته عن زواج والده الخيالي:
-اعنبوه، ولا وكالة رويترز.. كذوب يمه لا تصدقين وراء كلامهن، أبوي هذانا أمس شفناه ولا ذكر لنا سالفة زواجه
التفتت شيخة إلى بِكرها، إياس، ذو الثلاثين عامًا في هدوءه المستفز، لتقول بإندفاع غائص في غضبه:
-تبي تقنعني إن أبوك ماحط عندك خبر زواجه عسى الله لا يبارك زواجه؟ وش بتقول الناس عني وش بتقول، عدتي بتخلّص وهو من يوم طلاقنا خلّى لي الجمل بما حمل وما عاد سأل .. أخس يا قلة مروءتك يا زاهد، أخس مقسى قلبك
تنّهد إياس، ليبتسم بصورة خفيفة، يربت على ظهر يدها بإطمئنان:
-يمه صدقيني هذا الكلام كلام فاضي، أبوي ماقدام عينه إلا شغله هالحين
أبعدت يدها عن يده، لتردف بحدة:
-ايه طول عمره كذا، طول عمره ماغير شغله المبدأ علي وعلى بيته وعلى عياله، وين يروح من ربي وهو رامينا بهالبيت اللي شكبره! أعوذ بالله من طمعه وضيق عينه
استغفر إياس بضيق وهو يصد بوجهه بعيدًا، ونظر له "وهاب " الابن الثاني لشيخة، ليقول بنبرة جاهد أن تخرج مرحة قدر المستطاع:
-القلب معلبش يمه، ما عاد في مره تسوى مواطئ رجليك بقلب أبوي
التفت له شيخة بإنفلات أعصاب، صارخة في وجهه بحنق:
-قم انقلع من وجهي، أي قلب وأي علبشة أنت الثاني وأبوكم لا قدرني ولا حشمني بهالطلاق
ابتعد وهاب خطوة للخلف جازعًا من صوت والدته الذي ارتفع بصورة مفاجئة، ليقول بكلام سريع:
-قومي يمه قومي، بدل لا أنتِ قاعدة تحرقين نفسك على كلام فارغ خلينا نتمشى وأفرفر فيك بهالأسواق، يالله انفداك، خلي اللي يسوى وما يسوى يتكلم وارمي كلامهم بحر
شيخة بنبرة قهر وهي تمسح دمعة خائنة تمردت على عينيها:
-ايه لو إن أبوي حي ولا أخواني موجودين ما عاد هو بممسي إلا بقبره، أجل أنا يهدني ويكسرني بذي السواه
مسح إياس على وجهه بصبر، فهو استيقظ صباحًا في يوم إجازته على صراخ والدته وطرقاتها على باب غرفته وغرفة أخيه، زاعمة أن أمراة ما نقلت لها بصورة ملتوية رغبة والده في الزواج من آخرى، وهذه "الآخرى" ما زالت مجهولة حتى الآن .. ليقول بنبرة جادة حنونة:
-استهدي بالله يالغالية، حنا عيالك وترانا ما نرضى لك بالضيم، اللي يصيبك يصيبنا وياكل كبودنا، قومي خلينا ناخذ برأي وهاب ونطلع نشم هواء
وقف وهاب وهو يتجه إلى غرفة والدته " المنفصلة " عن جناح والديهما بعد أن وقع الطلاق بينهما، ليعود حاملًا عباءتها، ويقول بحماسة:
-ألبسي فديت وجهك، باخذك لمكان ولا مرة رحتي له بس أوووه يمه أي مكان، بتقولين هاتني يا وهاب كل يوم
أشاحت بوجهها جانبًا قائلة بضيق:
-وخروا من جنبي ماني بطالعة برا بيتي، تركوني بحالي
وهاب وهو يضع عباءتها على كتفيها:
-حلفتك بالله لتقومين، يرضيك تكسرين بخاطر عيلك الفقير .. مايرضيك صح يا أم وهاب ؟
وقفت على مضض، ترتدي عباءتها وسط حماسة وهاب وإحتراقه في مكانه، تعلم أن أبناءها هم أشد برًّا عليها من أبيهما، لكنها تعلم في الوقت ذاته أنهما نصيران له، خاصةً إياس .. نسخته المصغرة ! فمحاولاتهم الدؤوبة في تغطية الأمر بتكذيبه لا تروقها .. لكنها ستتغافل في الوقت الحالي
قادها وهاب إلى سيارته المركونة في فناء المنزل ومن خلفهم إياس، فتح الباب الأمامي لتركب شيخة بهدوء، ليقول إياس حين أغلق وهاب باب السيارة:
-تقدر تسوق ؟ توك راجع من دوامك ما صارلك 3 ساعات .. أشوف النوم بعيونك
التقط وهاب مفتاح السيارة من جيبه، قائلًا:
-ياولد ما بقى نوم بعيوني من نفضة قلبي، خلني أهدي بال أمي وأروقها وأعدل رأسي ويصير خير لين الاستلام الثاني .. منت بجاي معنا ؟
حرك إياس رأسه نافيًّا، ثم تنهد ليقول:
-بمشي لأبوي أخذ منه العلم الوكاد، مافي دخان من دون نار والثرثارة اللي نقلت هالكلام لأمي ماهو من رأسها بس
وهاب بتأييد لما قاله، متجهًا نحو جهة السائق وهو يفتح الباب، هامسًا:
-ايه تكفى ياخوك ولا والله لو إن العلم ذا صحيح لتقوم القيامة في بيتنا، وقول وهاب بن زاهد ما قال
*
*
" هلا والله، وش هالصباح المبروك؟ أقرب وأنا أبوك حياك"
قالها زاهد بابتسامة واسعة وسط مكتبه الراقي في بساطته، اقترب منه إياس وقبل رأسه ثم تراجع ليجلس على الكرسي أمام مكتبه:
-صباح الخير يا أبو إياس
أردف بذات الابتسامة التي تخرج دومًا عند رؤية بِكره:
-بالنور والسرور يابو إبراهيم، اللي ما رضى إبراهيم يجي، وش أدين لك بهالزيارة؟
بادله إياس الابتسام، ليقول بنبرة لم تخلو من "نغزة" محببة رغم ما يفتك به من صداع:
-يعني ما أزورك إلا بالنادر في مكتبك ؟ جيت أتطمن عليك عساك طيب
أراح زاهد كوعيه على سطح مكتبه، أخذ يقلب القلم بين أصابعه وينقله في حركات بهلوانية محترفة، ليرفع رأسه بعد ثواني بابتسامة ذات مغزى وهو يؤشر بالقلم عليه:
-واحد، وجهك يقول إنك ما نمت إلا قليل ..
اثنين، عيونك وراها كلام كثير
-وثلاثة؟
تراجع زاهد متكئًا على كرسيه لتتغير نبرته إلى الجدية :
-ثلاثة، طلع الدرة المحشورة تحت لسانك أشوف
تنهد إياس بخفوت باسم، لا يستغرب فهم والده له من اللمحة الأولى، فما بينهما أعمق من علاقة الأب بابنه بكثير، ولعل أوتاد هذه العلاقة عززت لدى إنجاب زاهد لإبنه في وقت مبكر من عمره
تقدم إلى الأمام، ليتكئ بكوعيه على فخذيه:
-طيب يبه دامك فاهمني ما أقدر ألف وأدور، وأنت أدرى الناس بي في صدقي وكذبي، الكلام اللي طلع صحيح؟
زاهد بإندهاش -بدى مصطنعًا للوهلة الأولى-:
-جاي مكتبي من الصباح تنقل لي كلام؟ سمعني بس وش الكلام اللي يكون صحيح ؟
اتسعت ابتسامة صغيرة على ثغر إياس، ليكمل بهدوء :
-ناوي تتزوج بعد طلاقك من أمي؟
استرخى زاهد في جلسته، وانبسطت ملامح وجهه بابتسامة خبيثة بالكاد لمحها ابنه:
-لو بغيت أتزوج حتى قبل طلاقي من أمك لكان تزوجت ، وأنت تدري إن رجال بشواربها تنتظرني أدق بيبانهم حتى تزوجني وتزوجكم وراي، وش الجديد ؟
تراجع إياس هو الآخر، واسترخى في الكنبة، يفهم والده، يفهم جيدًا خبثه، وهذا الكلام المستحدث الممتليء بمشاعر ملتوية يعي ما المغزى من ورائها :
-بس إنك ما سويتها ولا حتى نويتها طول سنوات عشرتك مع أمي يا يبه، فيا ترى وش من نارٍ هالمره وصل دخانها لباب بيتنا ؟
زاهد بنظرة واثقة:
-ليش ما تسأل اللي بعثر شرارة هالنار ؟
عقد حاجبيه لوهلة، ثم أردف بعدها بضيق:
-يبه مانبي نحترق بسبب أخطاء قادرين نصلحها
-"إذا احترقنا بتطفينا، يا ملازم إطفاء"
نظر له إياس بنظرة ذات مغزى، فقهقه زاهد كثيرًا حتى بانت صفة أسنانه الكاملة، قال بعد أن هدأت وتيرة ضحكاته:
-يا إياس، لو كان العلم صحيح بتكون أنت أول واحد تدري فيه لأنه ما هو خبر من نار العيب والحرام عشان أخبيه
(ثم رفع اصبعه بما بدا أشبه بتهديد)
من جهة ثانية تأكد إني مو عاجز عن هالشيء!
تنهد إياس عقب كلام والده، يستحيل أن يكذب والده -حاشاه- في أمرٍ حساس كهذا، لذلك أردف بعقلانية:
-زين يبه ما يكفيك غياب هالشهرين؟ منت ناوي ترجع بيتك وترجع المياة لمجاريها، أو عاجبك وقوفك قدام البيت لا جيت تسلم علينا وتاخذ بأخبارنا؟
-"لا تتدخل يا إياس"
قالها زاهد بجدية تامة اختفى معها اللين الذي كان يحيط بصوته، فأكمل:
-علاقتي أنا وأمك في الاخير تخصني وإياها، والبيت اللي تركته هو بيت أمك من أول وتالي مالي فيه قرش واحد، أنا طلعت منه برضاي ورضى قناعتي ولا بغيت ارجع رجعت له بعد بقناعتي، فلا تحاول معي
مسح على وجهه بتعب، كان -تدخله- سيتوقف عند هذا الحد، وسيحترم خصوصية أمه وأبيه، لكن ما استطاع أن يرى خراب بيتهم ويصمت، فقال بعد ثوانٍ صامتة وهو يقف ببطء:
-إن كان وضع علاقتكم يخصكم، فـ وجع أمي يخصنا كلنا يا عيالها، فتكفى يبه إذا جيت تقرر بقرار لا تفكر فينا، على الأقل فكر في أختي سبأ اللي ماهي سبأ بعد هالطلاق!
صمت زاهد دون رد، لا يخاف بتاتًا على ابنته الوحيدة ( سبأ ) وبجانبها أخوتها الرائعين، ولا يخاف عليها من الوجع المزعوم فهي شبيهة والدتها خلقًا وخَلقًا، قادرة على أن تحمل منزلًا كاملًا وتحميه من الإنهيارات، تلك الصغيرة ابنة الـتسعة عشرًا عامًا، فيا ترى ما الذي يقصده إياس من وراء كلامه هذا؟
هز رأسه بشبه لا مبالاة وأشر بيديه صامتًا، رفع صوته حينما رأى خروجه من باب المكتب :
-الليلة عزيمة في بيت نايف ولد خالي، لا تتأخرون أنت وأخوك
التفت له إياس نصف إلتفاتة، رمش ببطء وهتف بهدوء:
-وهاب عنده استلام المغرب
-"وأنت؟"
أخذ إياس نفسًا عميقًا، ينثر به من ذرات الهواء لرئتيه، ليقول بصوت غائر، غائر جدًا وغامض:
-بتلقاني على يمناك
ليخرج حينها ويغلق الباب، وحاجبيه معقودين بغلظة
*
*
*
كانت تنام على السرير الوثير مستغرقة في نومها، كعادتها حين يأكل الهم قلبها فإنها تسهب في التفكير والسهر وتنسى نفسها صباحًا، رويدًا ما إن فتحت عينيها ببطء شديد وإحمرار طفيف يغزو مقلتيها
وبصورة مفاجئة قفزت من السرير قفزة كادت تسقطها، لتلفتت يمينًا وشمالًا تنقل نظرها حول الغرفة الفارغة .. منه
مسحت على وجهها، و" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " خرجت من ثغرها، توجهت نحو الستائر الثقيلة لتدع نسمات الصباح تجدد الهواء لرئتيها، وتجدد الظلام البائس في الغرفة
دارت عينيها مرة أخرى تنتظر خروجه من أي بقعة كانت، وبدأ الخوف يسري في قلبها، فارتدت غطاء قميص نومها بصورة سريعة وخرجت بخطوات أسرع من الغرفة
( أين ذهب؟
ولما استيقظ قبلها وهو الذي اعتاد ( مؤخرًا ) الاستيقاظ متأخرًا ؟
أم يكون قد قطع إجازته وفر إلى عمله الذي أصبح يمقته؟)
كيف وماذا ولماذا .. والكثير الكثير من الاسئلة الاستفهامية التي دارت بعقلها خلال نزولها من الطابق العلوي للسفلي
لتتنهد براحة عميقة حين رأته يجلس على حافة سلم صالة البيت، ولا إراديًا تغيّرت نظرة عينها .. إلى نظرة حانية مشفقة، فمنظره كان يستحق التأمل، ثم الرسم، ثم التخليد
يفتح باب الصالة على مصراعيه، يجلس على حافة السلم واضعًا كوعيه على فخذيه، ويمسح بيديه على شعره الكثيف، مما دعى لدخول أشعة الشمس وانتشارها على طول الصالة، وظله من خلفه يرسمه كما لم يرسم الرسام بائس من قبل
اقتربت منه بخطوات هادئة متأنية، نزلت يدها تنوي الاستقرار على كتفه لكن ما كانت إلا ثواني حتى أحست بجسدها يطير بضع سانتيميترات وتسقط على ظهرها
شهقت بقوة متألمة وهي تضع يدها على أخر ظهرها، تألمت .. تألمت حقًا من سقوطها، ومن صراخه الغاضب حين التفت إليها:
-بعّد عني
كانت يدها تنتقل من أخر ظهرها إلى صدرها المرتعد، ونظراتها المرعوبة تنتقل حول صفحة وجهه التي كساها الإحمرار كليًّا
ثواني فقط، ثواني معدودة حتى تغيرت نبرة ونظرة " غسّان " إلى نبرة مرتعبة ونظرة خائفة، وهو يتقدم جاثيًا على ركبتيه نحو زوجته الهلعة، همس بذعر:
-نسيم؟
ناداها باسمها وهو يقترب حتى أوشك على الإلتصاق، لكن رفعت يدها ومعالم الألم تغزو وجهها الندي:
-وقّف
شعر بالرعب، فكيف بإحدى مصادر أمنه وأمانه مرتعبة منه هكذا، يعي أنه أخافها، بل وآلمها حتى الوجع! لكن كانت ردة فعل غير محسوبة منه، ردة فعل هي تعلم مسبقًا بأي شكل تروح وتجيء:
-نسيم سامحيني، تدرين إني قايل لك لا تجيني على غفلة لأني .. لأني، لأني .. أنتِ تفهمين
أغمضت عيناها وما زال الألم يشطر ظهرها لنصفين، شعرت بإقترابه وارتفاع يديه نحو كتفها وإهتزازها الخفيف بعدها، لتأتي نبرته مرعوبة على غير العادة:
-تكلمي قولي شيء، تكفين
تنهدت بخفوت، فتحت عيناها ونظرت له بهدوء مطمئنة:
-خلاص غسان أهدى، أدري الغلط مني لأن جيتك بدون ما أطلع صوتي، أنا أسفه!
كرهت اعتذارها ذاك، لكنها كانت مجبرة عليه، لتجد نفسها بعد ثواني محشورةً في حضنه وهو يضغط عليها بصورة أوجعتها أكثر، ليقول بنبرة تتأرجح بين الحدة واللين:
-لا تجيني من وراي ولا من قدامي، أخاف أأذيك، أخاف
عضت على شفتيها بقوة، مسحت على ظهره نزولًا وصعودًا حتى تهدئ من نبضات قلبه المتسارعة والتي تشعر بها تخترق جسدها
تتألم لنفسها وتنعيها؟
أم تحزن عليه وعلى ما أصابه من مصيبة امتد أثرها حتى اليوم؟
تقف بجانبه في محنته حتى يتجاوزها؟
أم تشتري راحة بالها وتبتعد ؟
فثلاث سنوات كثيرةٌ عليها، وكثيرٌ ما لاقته في الحياة معه من صعوبة ومراعاة قصوى وإهتمام مبالغ فيه، ورغم ذلك ( غسان هو غسان )، ما زال يقف في نفس النقطة رافضًا سبل الصلاح جميعها.
همست بنبرة مرهفة ( يعلم الله كم جاهدت لخروجها )، وابتسامة لطيفة ترتسم على ثغرها:
-أنا أثق فيك غسان، ما راح تأذيني ولا تأذي نفسك حتى! يلا شرأيك تقوم عشان أسوي لنا فطور ونفطر مع بعض؟
أخذ نفسًا عميقًا وهو يبتعد عنها ليقف، راقبها وهي تستر ساقيها المنكشفة بعد سقوطها بغطاء قميصها فمد يدها ليرفعها من على الأرض،قائلًا بتوتر:
-مابي فطور بروح أشوف أمي يمديها صحت من نومها، لازم أشوفها
احتضنت عضدها اليمين بيدها اليسرى في صورة دفاعية، لم تجادله أكثر وهي تهز رأسها بإيجاب، ليسأل سؤالًا يعلم إجابته مسبقًا:
-تجين معي؟
-"عندي شغل لازم أخلصه قبل لا نروح عزيمة الليلة ببيت أبوي"
قالتها ليتراءى لها إنعقاد حاجبيه بصورة قاسية تغيرت معها ملامحه الوديعة بأكملها لتصبح أكثر حدة، اجترعت ريقها وهي تعلم تمامًا مخاوفه:
-بنروح، صح؟
غسان بنبرة أقل ما يقال عنها جافة:
-بنروح، بتقعدين ساعتين وتطلعين، لما أرسل لك تطلعين
اقتربت منه وتمسكت بيده لتقول بترجي:
-تكفى غسان لا تفضحني في أهلي، وش يقولون عني داخله مع الضيوف وطالعه قبلهم!
سحب يده من يديها بقسوة متوترة، وليس كأنه الشخص الخائف عليها قبل قليل من سقوط كان هو السبب فيه:
-إن كانك تبين تزورينهم، كانك ما تبين اقعدي في هالبيت اللي شكبره، اقطع أنا إجازتي وأروح شغلي أبرك لي
قال ماعنده وخرج مهرولًا إلى منزل والدته القابع أمامهم مباشرة، تاركًا نسيم في وسط شعورٍ متوجع وقلب متحسر
*
*
"فزاع تحت أمرك سيدي!"
يقولها بملء فمه، وفرحته لا تسعها اليوم أرضٌ ولا سماء، على عكس الواجم أمامه الذي لم تثر رؤيته لفزاع سوى المشقة والوجع، وحين رأى يده الممدوة بشكلٍ مائل على صدغه استشاط غضبًا كاد يحرقه:
-نزل ايدك!
انبترت ابتسامة فزاع، وأنزل يده ببطء شديد وهو يتأمل ملامح عمران المكتظة بالأسى
تمعن بعقدة حاجبيه شديدة السوداء، وانعكاف رموش عينيه التي تضم بداخلها عينان ذهبيتان تلمعان بشعورٍ لا يخطئه فزاع، شعور الثعلب التعس:
-واقف قدامك بالبدلة، أو على كتفي التاج والنجمة يومك تحييني بهالتحية وتناديني بسيدي؟ وش جابك أنت؟
قالها عمران بغضب، فاستعدل فزاع في وقفته وشبك يديه خلف ظهره ليقول بهدوء ظاهري:
-جابتني الأوامر طال عمرك، وتحيتي السابقة تحية واحد لأخو دنياه شاركه الحلوة والمرة لسنين طويلة
تجاهل جملته الأخيرة، ليقول بجمود لم يدخر وقتًا لإظهاره:
-من وين جات الأوامر؟
فزاع بذات الهدوء:
-من اللي أنت خابرها!
زمجر فيه بغضب والشمس من أعلاه تحرقه أكثر وأكثر:
-جاوبني بوضوح!
يبدو أن حس القائد قد ظهر على حين غرة من عمران، مما دعى فزاع لأن يبتسم وتتسع ابتسامة من جديد،
آه كم حن لتلك الأيام التي يحاولون فيها المراوغة أمام هذا الماكِر، وحين يفقد أعصابه يصرخ بهم ( جاوبوني بوضوح ) كما الآن بالضبط، ليعقبها عقاب يتقبلونه بصدرٍ رحب:
-من اللواء أبو تركي، وترا يرسل لك سلاماته وينتظرك على أحر من الجمر
نظر إلى السيارة البيضاء ذات الدفع الرباعي المتوقفة خلف فزاع، ليهتف بذات النبرة:
-السيارة اللي وراك سيارتك ولا سيارة الحكومة؟
التفت نص التفاتة:
-سيارتي طال عمرك
تقدم عمران للسيارة البيضاء تاركًا فزاع من خلفه ينظر إليه بدهشة من حركاته غير المفهومة، استقل مقعد الراكب الأمامي واضعًا حقيبته السوداء أمامه
ليلتفت إتجاه فزاع الذي ما زال على وقفته:
-بتمشي ولا أمشي بالسيارة لحالي ؟
ابتسامة لعوب نبتت على ثغر فزاع، لو لم يكن يعرف عمران مسبقًا لقال أنه خضع للأمر الذي جاء بسهولة، لكن لا ! هو يعلم هذا العتيد جيدًا، ويعلم كيف يصل لغاياته بتخطيط بارد جدًا، فركب مجاريًا إياه ليقول بتحية ود حقيقي:
-تو ما تباركت سيارتي فيك ياطويل العمر، أنشهد إنك ريحها الطيب من بعد وقوفها لأيام
(وبإستفسار ماكر)
-بس طال عمرك يعني لو إنها سيارة الحكومة ما كنت بتركبها؟ ترا يقولون كنت رجل حكومة سابقًا
ابتسم عمران ابتسامة ساخرة لم يلحظها فزاع الذي كان يقود بتركيز شديد رغم تحدثه، ولو التفت قليلًا لتصادما بذات الابتسامة:
-بالله ؟ صحيح زين ذكرتني
فزاع أردف بذات النبرة، وهو يحاول استشفاف ما يدور في عقل الجالس جواره:
-اللواء أبو تركي متحمس لشوفتك جدًا، بنروح أول شيء بيتك عشان تاخذ لك شاور ينعشك ثم تغير لبسك .. إلا طال عمرك ترا الشباب اللي أنت خابرهم يسلمون عليك وكان ودهم يجون يستقبلونك لكن كل واحد مشغول، ما حصل الشرف إلا لفزاع
كان عمران مرتاحًا في جلسته، يرفع طرف كوعه على النافذة ويحرك بطرف اصبعيه شنبه الكثيف، يسرح في النظر الى الخارج الجاف، وحرارة السماء تلهب صفحة خده وتضيء لمعان عينيه، فلم ينتبه فزاع لتعابير وجهه التي احتقنت بالكامل حين ذكر ( الشباب ) وعلم من يقصد
وود، ود بشدة لو أن يسأل عن أحد ( الشباب ) وما أصبح عليه حاله بعد مرور هذه الأيام الثقيلة
أكمل فزاع دون أن ينتبه -أو ربما انتبه وتجاهل- لهيئة عمران المتوحشة:
-عاد أبشرك حكيم تزوج قبل شهر، ورابح على حطة يدك داج هنا وهناك ينتظرك ترجع عشان تسنعه وهو عارف ما يسنعه غيرك
(أردف بضحكة مقصودة)
-ترا ناذرٍ عليك نذر ما ندري وشهو، يقول لا طلع المقدم قلته لكم ونفذته بعد
و.. فقط !
توقف فزاع بشكل مفاجيء عند هذا الحد، متجاهلًا سرد حالة رابعهم عامدًا وقاصدا، أراد ( جس نبضه )، أراد جر الأسئلة من ثغره واحدًا تلو الأخر، لكن لا شيء ..
ما زال عمران صامتًا، والألم بدأ ينخر رأسه ويفتت قلبه،
وحديث فزاع -كأن شيئًا لم يكن- يثير في نفسه الغضب والشجن، ما زال يناديه بـ"المقدم"، ما زال يسرد إليه ما حصل لأعضاء فريق -هو قائدهم- كما تعود حين يعود من إجازاته القصيرة
شعر بالصداع الذي يفتك رأسه، وهو لولا رغبته بالذهاب إلى مكانٍ ما لما استقل سيارة فزاع الذي يعلم أي ذكرى سينبشها، فهتف من بين صمته بنبرة جافة حين رأى معالم التمدن:
-وقف على جنب
تفاجأ فزاع من نبرة عمران -العالية قليلًا- ليهتف بدهشة:
-ليش ؟
-"وقف أقولك"
وقف فزاع بجانب الرصيف دون أن يسأل أكثر، ليخرج في هذه اللحظة عمران من السيارة ويطرق بابها بقوة
فتح النافذة وهو ينظر إليه بدهشة -مصطنعة-، فهو كان ينتظر ردة فعله:
-طال عمرك وين رايح ؟ طريقنا طويل ما بعد وصلنا غايتنا وين تبي تمشي في هالحرارة، تكفى أدحر الشيطان وأركب السيارة، لازم أوصلك
انحنى عمران من عليائه، يتكيء بطرف يده على الباب، لينظر إلى فزاع شزرا:
-قل للأوامر اللي جابتك هالحركة ذي ما تمشي على عمران، وقل لقايلها إن أول مهب مثل الحين! فلا يتعب نفسه
فزاع بإندهاش، فهو يستحيل أن يقوم بإيصال هذا الكلام:
-أنا عندي أمر بإحضارك من السجن لمكتب طويل العمر مباشرة
عمران بنبرة جادة منزعجة:
-عندك أمر الاستدعاء ؟
صمت فزاع متفاجئًا، هز رأسه بالنفي بعد فترةٍ قليلة ليقول بجدية:
-بس الأمر من فوق!
قال بصوتٍ جاف:
-وأنا حاليًا مواطن عادي، إذا عندك مذكرة إحضار تبشر أنت واللي فوقك، بس تجروني مثل الأهبل عشان مآرب في أنفسكم، لا
عقد فزاع حاجبيه وهو ما زال بداخل سيارته ينظر إليه من الخارج:
-طال عمرك بعض الأوامر ما تحتاج رسميات وشدة، طيعها وامش وراها
ابتسم عمران ابتسامة تهكم عميقة، ليضرب بباطن كفه على الباب قائلًا بذات التهكم:
-"تدري وش أول تهمة زجت فيني للسجن يا ملازم؟ مخالفة الأوامر العسكرية، فتوكل وامش بدربك ولا عاد تلف حولي وتدور"
*
*
" لا وألف لا، طلبك هذا مرفوض للمرة المليون فاهم يا ( زياد )؟ مستحيل أسمح لك تنسحب في هالوقت الحرج"
قالها ( هيثم ) الرجل الواقف أمام الرجل الآخر والذي يجاريه في الطول في الشبه، وفي الدماء، وعيناه محشورتان في غضبٍ عميق، ليردف زياد:
-هيثم ماتقدر تجبرني أظل معاك وتحت أمرتك، أنا عندي خطط أبي أنفذها وقيدي هنا يمسكني!
جلس هيثم على إحدى الكنبات المتوزعة في مكتبه الفخم جدًا، يضع قدمًا على قدم وهو يقول بتهكم غاضب:
-بالله عليك ؟ أنا استحلفك، وش هالخطط اللي تبي تنفذها، لا يكون وراك اختراع تبي تتفرغ له؟ أو يمكن بحث ثوري في مجال الطب والعلوم؟ نورني يمكن عقلي ما هو قادر يجمع
تنهد زياد، والأسى يرتسم على وجهه:
-خطط ما أبي أحد يعرفها حاليًا لين توقع على استقالتي من الشركة، أنا ما أبي أشتغل معك بشهادة الثانوية، وأنت قادر توظف ألف موظف بكفاءة أكثر من كفاءتي
ارتسم البرود على وجه هيثم، وهو يقول بتسلط بارد:
-انسى سالفة استقالتك وأحمد ربك على وجودك هنا لأن الألف اللي تتكلم عنهم يحلمون يوصلون هنا!
تقدم منه زياد بغضب، غضب هو أدنى من أن يظهره بصورة صحيحة:
-يا "أخوي" أنت وش تبي توصل له؟ أنا أبي أدور مستقبلي اللي ضاع والتجارة ماهي مكاني، عاجبك يعني جالس في أصغر مكتب واللي أصغر مني يأمر علي؟
أشر هيثم بباطن كفه وهو ما زال معتصمًا في بروده :
-تقول وراك خطط، علمني وش هالخطط وراح أفكر في أمر استقالتك
أخذ زياد نفسًا عميقًا، وإزدراء أخيه -وربما كامل عائلته- له يدميه ويشطر قلبه، ما ذنبه أنه خلق بهذه الشخصية التي لم تستطيع أن تجابه أول عثرة واجهته؟ ما ذنبه أن يكون تحت رحمة ( الجبابرة ) وذوي الشخصيات القوية؟ ما ذنبه أنه لم يستطيع التسلح بشخصية غير التي جُبِل عليها؟
اقترب وجلس مقابلًا له، ليقول بنبرة منخفضة:
-أبي أقدم على ابتعاث
شخر هيثم بتهكم، ثم قال بذات النبرة:
-وثمٍ؟
رفع زياد رأسه بإباء -بدى مزيفًا للوهلة الأولى- وشخرة أخيه قد آلمته حقًا:
-ثمٍ لو تبيني أرجع للشركة هذه رجعت لها، بس بشهادة غير اللي مدخلني فيها
رفع هيثم نظراته إليه ليقول بتسلط ابن السوق الذي اكتسبه من خبراته:
-وعمرك كله بيضيع في الدراسة؟ يعني يا "دكتور" درست ست سنوات طب؛ ثم سنة امتياز ثم قلت أبي أخذ ماجستير، خذيته وتوظفت في أفضل المستشفيات، وهوب ما يمدي كملت سنتين في دوامك إلا وتقاعدت، أنت التقاعد صاير عندك لعبة؟ وش البعثة اللي تبي تروح لها على الفاضي
أغمض عينيه بقل صبر، وفي داخله يكرر ( قل، تكلم، لا تدع الأخرين يقررون عنك مصائر حياتك، هذه حياتك أنت! تكلم يا زياد، تشجع، قف بوجه أخيك وعارضه ! انس من يكون للحظة، وتصرف كأنت .. كأنت فقط )
لكن ما يدور فيه خلده شيء، وما قاله شيء أخر وهو يفتح عينيه الباهتة ليقول:
-أبوي ما راح يسمح لك توقف بطريقي كذا
قهقه هيثم وهو يقف من مكانه ليتوجه للكرسي خلف مكتبه البني الراقي، والمصطفة أغراضه عليه بترتيب شديد الدقة، ليتوقف عن الضحك مباشرة قائلًا بجدية:
-ايه تعزوى بأبوي وخله يدخل وجهه عند فلان وعلان عشان يجرك من اللي أنت فيه، امش وراه كنك مربوط برقبتك !
(وبحدة جادة)
-اسمعني يا زياد، تبي تستقيل من هذه الشركة اللي أنت أصلا من ضمن مجلس إدارتها، دور على فرد واحد من عيال نايف آل ذمام حتى يشتري الأسهم ويحل محلك
(وبسخرية أعمق)
-وأكيد ما راح يكون سطام أبو الطعش أو خواتك الثلاث، دور على واحد مستوفي للشروط!
توكل الحين خليني أشوف شغلي، ولا تنسى عزيمة الوالد اليوم في مجلسه
وقف زياد من جلوسه، يرسل نظرات عميقة الأسى لوجه أخيه الذي لا يعرف ( أبي من أخي ) في مصالحه، فخرج صامتًا يجر أذيال اليأس والوجع، هامسًا بيقين هش:
-بيجي يومي ياخوي، بيجي يومي
*
*
" اعنبوكم يالمشفح اعنبو اللي خلاكم تفتحون هالمحلات وتسرقون جيوبنا نهارًا جهارا، أجل علبة حليب يوصل سعرها كذيا، يهب ياوجوهكم الطماعة"
ينطق بها متغضن الجبين وهو يؤرجح بين اصابعه كيس أبيض شبه شفاف به علبة حليب متوسطة الحجم خرج به للتو من أحد المحال المتوزعة في ديار ( شرق )، حانق على ارتفاع الأسعار المفاجيء وحين أعلم البائع أخبره بـ( هذه ضرائب فارضتها الحكومة علينا )
وذاك يردد بحنقه ( ايه ما تدرون وشهي الضرائب الا اسمها، اسرقونا )
ليصرخ في وجهه صاحب الحلال بـ ( اشتري ولا انقلع دور لك محل ثاني)
زفر وهو يرمي بحجر صغير أمامه وما زال يتذمر ويتذمر، لتسقط تلك الحجرة التي رماها على أحد أقدام الصغار المارة، ولم يلتفت إليه سوى حين سمع صرخته المتألمة، قال بحدة:
-وشعندك تصايح؟
الولد ذاك، وهو ينحني ويدلك قدمه بوجع وبجانبه أصحابه:
-عمْي أنت ما تشوف، وشهوله ترميني بحجر جعلها في رأسك
احتدت نظرة عيناه وهو يقترب منه ينوي الشر، وبنبرة تهديد:
-وش قلت ياورع ؟
تأفف ذاك الولد مرتاعًا وهو يتراجع للخلف بجانب رفاقه، الذي للتو ينتبه إليهم هذا الحانق، فوجه كلامه إليهم بذات الحدة:
-أنتو يا ورعان ما وراكم مدارس تروحون لها ؟ وش بلاكم متجمعين هنيا وبيدكم هالكوره؟
قال أحدهم وهو الذي لا يحب سليط اللسان هذا:
-خلصنا من المدارس عندنا إجازة صيف ذالحين
حدجهم بنظرة قوية، ثم التفت وهو يكمل طريقه إلى منزله القابع بأول الديار، هامسًا لنفسه:
-ايه كفو يا ساعي طلع حرتك في الفقارى، كفو والله
مشى والشمس من أعلاه تحرقه، حرارة الصيف باتت لا تطاق وها هو رغم اللهيب يلف رأسه بغترة دون العقال ويغطي طرف فمه بها
دقائق قليلة حتى توقفت خطواته حين لمح سيارة أجرة أمام منزله المتواضع، والسائق بداخلها نائمٌ ومتكيء برأسه على النافذة، اقترب بخطوات سريعة جدًا
طرق نافذة السائق بحدة ليستيقظ ذاك بفزع من شدة الطرقات، فتح النافذة ليندفع ( ساعي ) بكلامه:
-خير يالأخو وش عندك قدام بيت ماهو بلك ؟
ارتعب السائق من حدة نبرته وعينيه المفزعة في سوادها، ولم يصدر منه جواب، بل فُتحت النافذة من خلف السائق ليظهر وجه صاحب العينين الذهبيتين:
-الأخو ماعنده شيء، أنا اللي عندي
التفت ساعي إلتفاتة سريعة مندهشة من الصوت، ليقف بجانب الأخر وينحني من أعلاه يتأكد من هيئته حتى أوشك على الدخول برأسه داخل السيارة
حين تجاوز صدمته أردف بنبرته الحادة الموبخة:
-هلا والله بالشيخ، هلا باللي انقلع دون سلام وكلام انزل حياك وراك واقف قدام الباب مثل الغرب .. انزل انزل
لأول مرة منذ بزوغ فجر هذا اليوم يبتسم عمران ابتسامة -حقيقية- بلا تصنع وتزييف، ناول سائق الأجرة أجرته ونزل من السيارة يحمل حقيبته، وحين تحركت السيارة أردف بثقة:
-ضيفني ببيتك مابي العرب يشوفوني وأنا بهالشكل!
-"ايه يالشيخ راجع من الشقر والحمر من يشره عليك، أدخل بس "
قالها ساعي بذات النبرة الحادة وهو يفتح باب منزله ليدخل من خلفه عمران، ثم أغلق الباب وراءه
تقدما حتى وصلا لمنتصف الفناء الأقفر إلا من جلسة -شعبية- مفتوحة بزوايته، ليلتفت ساعي إلى عمران بسرعة وهو يشد على ياقة قميصه:
-أسلم يا " عميد " ، وينك فيه السنة والنص ذي لا حس ولا خبر؟ يعني أنت والزفت الثاني ما حلت بعينكم الروحة من الديرة إلا هالوقت، والله طز فيكم عساكم بقلعة ودارين بس حطوا عندي خبر لا تتركوني أيام متلهي فيكم
احتفظ عمران بابتسامته المستفزة، وهو يرى مدى رغبة هذا المفترس للإنقضاض عليه والفتك به:
-افا بس لا يكون زعلان علينا ؟
أفلته ساعي، تراجع للخلف يهتف بدهشة وفظاظة:
-زعلان ذي تقولها لمرتك ردية الحظ، أما أنا متشره عليك تبطي عظم ما أرضيت شرهتي
هز رأسه نافيًا وهو يبتسم:
-عين من الله خير ياولد الحلال، بيجيك العلم كل أبوه بس الحين هات لي ثوب ألبسه بدل هالملابس، اعجل علي
نظره له ساعي بنظرة حارقة، فهم عمران مقصدها ليضحك بخفة قائلًا:
-عسى عيونك ذي للبط، احشم أخوك الكبير قدام أربيك من جديد!
هتف ساعي بذات نبرته الحادة:
-انثبر هنا خلي الشمس تحرقك لين ما أجيب لك ثوب
-"قليل ذوق من يومك، انقلع هات لي ثوب"
ابتسم عمران بهدوء، وهو يراه يدخل من باب الصالة مختفيًا خلفه، وظلت ابتسامته على ماهي!
الازدواجية التي يعيش بها، هي ما يفضلها! غريبٌ صحيح .. لكن هذه الازدواجية تسمح له بإظهار شخصيته الحقيقية، ففي هذه الديار شخص وهوية، وهناك في المدينة شخص وهوية أخريين، لأسبابٍ كثيرة، أهمها أمنية
خرج ساعي يحمل بيده ثوب أبيض طويل، وشماغ أحمر وأبيض، ارتداه عمران على عجل وهو ينزع قميصه ويرميه داخل حقيبته، ثم لف الشماغ حول رأسه كما ساعي، وتلثم به:
-وش فيك ضايق يالساعي؟ "عميد" عمره قال كلمة وأخلفها؟
-وهذا اللي مخليني أغلي على نار، إنك ذي المرة أخلفت كلمتك ياعميد
قالها ساعي بفورة مشاعر، ليقول حينها عمران بهدوء فج:
-تبطي عظم، هالشارب مهب على رجال إن أخلفتها أنت بس مهلك علي هالحين في أشياء واجد مهمة لازم أسويها
تمعن فيه ساعي بنظراته الليلية، وهو يدرس ملامح وجهه بتفاصيلها، بتجاعيدها، بشعيراته الرمادية المنتشرة، بعينيه اللامعتين، وابتسامته المبطنة، وفور أن انتهى من تأمله، اقترب منه ليحتضنه بيدٍ واحدة، وهذه اليد حطت على كتفه، هامسًا بهدوء -رغم ذلك خرج حادًا-:
-الحمدلله على سلامتك يابو محمد، وترا ماخلصت موالي
ربت عمران على كتفه وابتعدا بخفة مثلما التقيا، خرجا من باب منزل ساعي وهو يهمس لنفسه بهدوء:
-مواويل واجدة بنستقبلها يا ساعي، وموالك الطيب شرواك ماهو أكبر همومي
التفت له ساعي باستفسار:
-وين دربك؟
عمران بهدوء عميق وغامض جدًا:
-بيت جدتي، ثمٍ على المدينة اقضي مشوارٍ طولت عنه واجد
*
*
ليلًا في إحدى مجلس بيوت المدينة الذي ازداد ضجيجه بعد غروب الشمس وانهمر الضيوف بشكل متوالي مثلما ينهمر المطر على أرضٍ مقفرة
ينتشر عبق رائحة العود منه، تمر دلال القهوة التي تفوح منها رائحة الهيل هنا وهناك، أحاديث كثيرة ضج بها المجلس لدرجة تشابكها ببعضها البعض
يلتفت الرجل الشيخ - رغم مظهره الفتي - المتصدر للمجلس إلى ابنيه كل حين مكررًا عليهم:
-جددوا القهوة
-شف ذك الجماعة خلص فنجالهم
-زياد وأنا أبوك قم عاون عيال عمك لا تخلون فناجليهم فاضية! قم
ثم يلتفت مرة أخرى إما لتكملة الحديث مع الجالس بجانبه، أو للسلام على الضيوف الجدد
حتى بدأت الأحاديث تهدأ، والأصوات تخفت، والعيون تنتقل والهمسات تتعالى يمنةً وشمالًا،
مما استرعى إنتباه ( نايف ) الذي نظر إلى حيث ينظرون، إلى باب المجلس المشرع، حين دخل منه فارع الطول بهيبته التي يفرضها، بصوته الجهوري، بعينيه المميزتين عن بني جلدته
ليقول بنبرة جعلت كل من في المجلس ينظر له مندهشًا:
مساكم الله بالخير ياللحى الغانمة
أعقب جملته، صمت مريبٌ وشائك !
*
*
بعيدًا عن ضجيج ذاك المنزل، في إحدى أعلى الأماكن مركزًا ومرتبًا وسرية، رنت الطرقات على باب المكتب
فؤذن للواقف خلفه بالدخول، ليدخل حينها " فزاع " ويؤدي التحية العسكرية قبل أن يرتاح في مكانه:
-بشر ؟
قالها اللواء ( أبو تركي ) بنصف ابتسامة ليقول فزاع بمهنية جادة:
-كل شيء تحت السيطرة مثل ما طلبت سيدي!
-تحركاته؟
-بيت جدته في ديرة ( شرق )، ثم للمستشفى، ثم لبيت ولد عمه نايف بن بشير آل ذمام
وقف اللواء أبو تركي من خلف مكتبه، ليتجه نحو فزاع الواقف بالقرب من الباب، كتف يديه بابتسامة:
-وشهو قايل لك؟ مايكون عمران لو مشى بدون ما يرمي كلمتين
ابتسم فزاع حينها ليرتاح في وقفته أكثر، يكرر كلام عمران:
-"إذا عندك مذكرة إحضار تبشر أنت واللي فوقك، بس تجروني مثل الأهبل عشان مآرب في أنفسكم، لا "
أطرق اللواء برأسه مبتسمًا، يفكر في ذاك الماكر الذي كان من خيرة القادة في القوات الخاصة، فهز رأسه بخفوت ليقول بابتسامة ثقة:
-خلصت مهمتك يا فزاع، المهمة الحين على راعي الحق هو اللي راح يجيبه لنا، وهالمرة ماني متأرجح بين شكي ويقيني ، عمران بيجي، طيبًا منه أو طرقًا عن خشمه.
عين، ميم
عين، ميم
هويتين .. شخصيتين
وطنٌ واحد
فما الجديد ؟
انتهى ❤